Powered By Blogger

حين تنبعث الذكريات من رائحة الطفولة الثلاثاء, أغسطس 11, 2009

حين تنبعث الذكريات من رائحة الطفولة

نسمات من عبق عبد الرحمن الدرعان

بقلم: سامية أبو زيد

ويبقى الأدب معبرا عن الهم الإنسانى وانعكاسات لما يعتمل فى النفس الإنسانية ويؤرقها فيأتى الأديب ويترجم تلك الهموم والمشاعر فى صورة من صور البيان المتعددة ومن بينها فن القصة القصيرة، وقد أسعدنى الحظ بوقوع تلك المجموعة القصصية ’’رائحة الطفولة‘‘ للكاتب السعودى ’’عبد الرحمن الدرعان‘‘ والتى قام بجمعها فى كتاب من القطع الصغير ومكون من عشرين ومائة صفحة، والصادر عام 1421هـ / 2000 م ـ عن مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية. والمدهش فى الأمر أن لوحة الغلاف بريشة المؤلف ولكن سرعان ما تفارقك هذه الدهشة حين تبدأ فى مطالعة المجموعة، فيظهر لك عندئذ ميل الكاتب للتأمل فيما حوله وبداخله والتفاعل مع كل المؤثرات المحيطة به. وعبر أربعة عشر قصة قصيرة يتنقل الكاتب بين لمحات من السيرة الذاتية وبين الأساطير الشعبية ليؤكد على تساؤل واحد يدور بخلده ألا وهو أين ذهب الإنسان؟

ولا تخلو عبارات الكاتب من الشاعرية فى أكثر من موضع فيدهشك حسن بيانه وتتلمظ عباراته فتعيد قراءتها وتضع خطا تحتها لتحفر هى فى أعماقك خطوطا وتساؤلات عدة، مثل قوله فى القصة الأولى ’’رائحة الطفولة‘‘ والتى حملت المجموعة عنوانها: ’’قدماك حمامتان تلتقطان حب الطريق الطويل‘‘ كى يؤكد لك بهذه الصورة البيانية على معنى الحذر فى المشى، وكذا قوله فى نفس القصة: ’’وتخطو خطوتك دون أن تدري على وجه التحديد من الذي علمك أن تتخذ الخوف عصا تفتح لك الطريق‘‘

وينقلك للشعور بالغربة والوحشة حين يتنهد قائلا: ’’يا لهذه المدينة الضيقة!!‘‘ فتعرف وتشعر بهموم الفلاح السعودى وهو يرى زحف المدنية على قريته، وينفى عن ذهنك الصورة النمطية المعتادة لأهل الجزيرة ـ إما بدو وإما محدثى نعمة من أثرياء النفط، ويأخذك من يدك ليغوص بك فى أصالة الفلاح السعودى حين يرى جده وهو يرمم حوائط الدار.

ومن الملاحظ فى كتابة ’’عبد الرحمن الدرعان‘‘ فى هذه المجموعة هو قدرته على استحضار الذكرى بكل آلامها وكأنها وقعت للتو، أما المدهش فى كتابته فهو القدرة على استحضار دهشة الطفل الذى لم يفارقه فيجعلك ترى الأمور بعينى الطفل وحيرته مثلما فعل فى قصة ’’ذاكرة مثخنة بالدم‘‘ والتى يستعرض فيها مرحلة هامة من الطفولة حين تصطدم بحائط النهاية وبدء مرحلة الفتوة التى تحرمه من اللعب مع مريم رفيقة الطفولة الغابرة.

ولا يغفل الكاتب القصة الرمزية فى قصته الأبواب والتى تعبر بشكل رشيق عن التوق إلى الحرية حيث يقول ساخطا: ’’أيها الباب الذي كان في ذات يوم جذعا باردا وطريا فى شجرة مورقة.. من هو الخشاب النذل الذي جاء بك إلى هنا أيها الأخرس!!‘‘ فأى نفس شاعرة تلك التى أتت بهذه الصورة الرائعة فى خياله كى تخرج لنا فى هذه الكلمات الموجزة المعبرة عن سلسلة القهر والقمع؟!!

وتمضى عين الكاتب الفاحصة الفاضحة لعورات المجتمع فى ’’ليلة الحشر‘‘ والتى تدور أحداثها فى موقف الجمرك، فيحزم لك باقة من آلام البشر ومعاناتهم تارة على لسان السائق حيث يقول: ’’السفر مهنة واطئة تضطرك أن تتوسل أوسخ الناس‘‘ فتعود من فورك لسطور سابقة مثل ’’لماذا تسأل عن الكتب بالذات؟ قال حتى لا نبيت عندهم‘‘ فى إشارة واضحة لقمع الفكر والحرية، أو لقوله ’’لن يفلتوك حتى يتقوض آخر حجر فى قلعة كرامتك‘‘.

وتتأكد من صدق كلامه عن أوسخ الناس ولم وصفهم بذلك فلا يسعك إلا أن تقر له بالحق فيما ذهب إليه من الرأى، وذلك بعد أن يعرض لك آفة الرشوة وآفة التسلط على عباد الله فى إشارتين عبر القصة ذاتها، تارة حين يقول: ’’سأعتقلك حتى تتبول فى ملابسك لو نسيت الفيديو فى المرة القادمة!!‘‘، وتارة أخرى أشد إيلاما وإيغالا فى الشعور بالمرارة والرثاء لحال الوطن والمواطن حيث يقول: ’’بلى، ولكن هل تريدهم أن يعدونا دبلوماسيين ويفتحوا لنا الطريق من أجل دراهم قليلة‘‘.

كما لا يفوته الإشارة لتدنى المرافق حين يشير إلى إمكانية اهتدائك لدورة المياه من خلال زوبعة الذباب، ليثير فى نفسك زوبعة من التساؤلات عن خير بلادنا وأين يذهب ومن الذى ينتفع به؟!!!

كانت تلك السطور لمحات سريعة من مجموعة الكاتب الباحث عن الحقيقة والحرية والمساواة ومعولا يهدم صورة الخليجى المترف التى صدقناها كما رسمها لنا المغرضون، وهى مجموعة جديرة بالقراءة والدراسة أدبيا واجتماعيا وألا تترك للسقوط فى بئر التجاهل والنسيان.

0 التعليقات: