Powered By Blogger

باب الوطن المقفول الثلاثاء, مايو 20, 2008


يا حبيبتى دا أميرك غول
شعر: محمد عثمان جبريل
دراسة بقلم: سامية أبو زيد
سمعانى ؟

دا كلامى يعانى

فى معانى

عاجزه عن القول

ونا واقف

فى رحابك ...

بابك

ليه دايما ألقاه مقفول ...؟

و الرابض فوق تلك ...

قالك

بهواكي قلبه مشغول

وضجيجه

مليان بأغاني

مزحومه

بكدبه المعسول

و إيقاعه

يخدر فى كيانك

و بيجنى وحده المحصول ...!

ونا عاشقك من قبل السد ...

و مشاعرى ...

طب ليه تترد

يا حبيبتى

دا أميرك غول ...

ونا طالع...

من بين حواديتك

و ف يدي سيفى المسحور

سهانى

وخطف أيامي

كان نفسي

أجرى على حصانى

و أسابق زمنى المستور

و أجيبلك

م الجاى ... من بكره

حريه

ف طبقى البنور

ضمينى

إدينى القدره

من غيرك عاجز

عَ الفكره

و الضلمة

محوطانى بسور

لا بيدي ..

أقفز و أعدي

مستنى هايجينى الدور ..

يدبحنى ...؟

تتجدد راسي

يقتلنى ...؟

أنا مش مقتول

و باغنى من قلبى الحكمه :

(مِن يصبر لازم هاينول) ...!

فى قصيدة الشاعر محمد عثمان جبريل، نلمح الكثير من هموم الوطن التى تشغله وتمثل عبئا على نفسه المترعة بالآلام الممتزجة بالآمال، فاسمح لى أيها القارئ العزيز بالتجول سويا بين معانى تلك القصيدة.


سمعانى ؟

استهلال بارع من الشاعر يخدم عدة معان وأولها لفت الانتباه كما يوحى بأن الكلام موصول بحوار طويل، هذا إلى جانب ما يوحى به من قرب نفاذ الصبر وبأنها أى المحبوبة إما عنيدة أو غافلة عما يحاول إقناعها به منذ أمد طويل.

دا كلامى يعانى

تصريح غير مباشر بالتعب مغلف بالكبرياء، حيث لم يذكر عناءه بل أسقط العناء على الكلمات.

فى معانى

تأكيد على العناء الذى مر به وما يزال، وعلى تغافلها عما يقصده لها من النصح.

وقد أفاد الجناس الناقص بين سامعانى ويعانى ومعانى فى ترسيخ معنى العناء الذى يشفق عليها منه.

عاجزه عن القول

تخلص الشاعر من أسر الروى وحاول الدخول إلى عقلها بجملة فاصلة، كما نفى عن نفسه العجز ونسبه للكلمات.

ونا واقف

يستمر فى محاولة لفت نظرها له بوصفه لحاله المتعب، فالوقوف يشى بالتعب كما يوحى بعناد الشاعر فلم ييأس ولم يبرح مكانه.

فى رحابك ...

تكملة لوصف حاله بذكر مكان الوقوف مع تعظيم من الشاعر للمحبوبة وملمح بسيط للعتاب، فهو واقف والوقوف يكون فى رقعة صغيرة لكنه واقف فى رحابها والتى تنم عن الاتساع وتنم أيضا عن حنان المحبوبة فأنى لها تلك القسوة أن تتركه واقفا؟

وعبر عن تلك الدهشة بالنقاط التى توحى ببتر الكلام والكف عن الاسترسال معتمدا على حصافة المستمع.

بابك

تقديم الباب جاء موفقا إذ جاءت الكلمة وكأنه يدق على عقلها وسمعها، وتمهيد للتصريح بغضبه وعتابه.

ليه دايما ألقاه مقفول ...؟

وأخيرا يصرح بالعتاب عبر سؤال بدأ بالباب وانتهى بمقفول فأحكم الرباط حول المعنى الذى أثار غضبه وحزنه.

و الرابض فوق تَلِّك ...

يتعجب الشاعر غاضبا حين يقارن حاله بحال من قبلت به ورفضته هو الناصح الأمين، وقد استخدم الجملة الإسمية لشدة إشفاقه عليها من ذلك الوحش الذى انخدعت به فبدأ بذكره أولا، ولم يصرح باسمه كى لا تنفر منه بل استخدم وصفا له على وزن فاعل وهو الرابض، ورفعه فوق التل مذكرا إيانا بالقلعة، إذ عادة ما تكون القلاع فوق الجبال، وفى تذكرة وإشارة للقلعة حين كانت مقرا للحكم.

لكنه ألمح من بعيد لمعنى آخر وهو الخراب حيث اعتمد على ذاكرة المستمع فى استدعاء المثل الشعبى ’’خربها وقعد على تلها‘‘

قالّك

وضع كلمة قالّك وحدها كى يبرزها ويوحى بأنها محض أقوال لا أفعال، كما يستكمل المقارنة بين حاله وحال ذلك الرابض.

فأين هذه الكلمة من قوله سامعانى؟

وبهذا أكد المفارقة.

بهواكي قلبه مشغول

بدأ بكلمة بهواكى مما يشى بأن قلبها هو الهدف الأسمى، ويبرز لنا الأكذوبة التى انخدعت بها محبوبته.

و ضجيجه

يبدأ فى تفنيد مزاعم غريمه، فى احتقار واضح له بوصف أقوال غريمه بالضجيج.

مليان بأغاني

يستكمل الهجوم على غريمه وكشف اللثام عن أكاذيبه بأن قوله الذى صدقته محبوبته ضجيج، ولم؟

لأنه مليئ بالأغانى، فيصيب المستمع بالدهشة حيث من المفترض أن يكون الغناء شيئا جميلا، ولكنه يعود ويعتمد على فطنة المستمع وذاكرته فنستدعى للحظة الراهنة التعبير الدارج عن الأكاذيب وخاصة فيما يتعلق بالحب بأنه كلام أغانى وشغل اسطوانات.

ولكنه يحتاط للأمر ولا يتركه للمصادفة فاستخدم كلمة مليان، وعندئذ يصبح منطقيا أن يتحول الغناء إلى ضجيج.

مزحومه

ينتقل من وصف القول بالضجيج إلى الأغانى ومن ثم يصف الأغانى نفسها بأنها مزحومة.

بكدبه المعسول

يستمر فى تفنيد حيثيات محبوبته فى تفضيلها غريمه بالتصريح بكذب ذلك الغريم، وقد تحاشى رميه بالكذب مباشرة كى لا تنفر منه كما حاول التماس العذر لها بقوله ’’المعسول‘‘.

فأكد معنى أنها ضحية مخادع.

و إيقاعه

جاءت كلمة إيقاعه موفقة وخاصة أنه وضعها وحدها فوقر فى ظننا الإيقاع بالمعنيين الوقوع والرتم، ولأن الإيقاع غالبا ما يكون متكررا فهو بذلك يحيلنا مجددا لتراثنا الشعبى فنستدعى فى اللاوعى المثل القائل ’’الدى ع الودان أمرّ م السحر‘‘ أى الدق المتواصل والمقصود هاهنا الإلحاح.

يخدر فى كيانك

يتأكد المعنى السابق بذكره للتخدير.

و بيجنى وحده المحصول ...!

يخلص إلى نتيجة محددة ومباشرة، وهو جناية ذلك الوحش للمحصول فننتبه فى التو للمخاتلة التى جعلته يظفر بها دون وجه حق فنتعاطف مع الشاعر.

ونا عاشقك من قبل السد ...

ترتفع نبرة العتاب بالانتقال المفاجئ للمقارنة بحاله وهو العاشق منذ الأبد، واستخدم كلمة السد وترك ما بعدها مفتوحا، وجاءت كلمة السد معرفة فيتداعى إلى ذهننا السد العالى رمز الحكم العسكرى، أو السد بينها وبين الشعب الذى قام وارتفع وعلا منذ أسلمت قيادها لمن لا يستحق.

و مشاعرى ...

استعطاف غير مباشر وتساؤل عن مصيره فى حبها.

طب ليه تترد

عتاب وتعجب من إعراضها عما هو حقيقى وقبولها بالمزور عوضا عنه.

يا حبيبتى

نداء للبعيد لتوكيد نأيها عنه رغم موقعها من قلبه، وكلمة حبيبتى أوحت بمدى رحمته بها وصبره عليها.

دا أميرك غول ...

وأخيرا وبعد طول شرح يصرح بأن أميرها غول بعد أن استنفذ كل كلمات الإقناع.

ونا طالع...

يعود للمقارنة بحاله ويتوقف قليلا عند كلمة طالع التى تحمل أكثر من معنى، معنى وجوده أولا ثم معنى الارتقاء لتلها ومعنى آخر بعيد وغير ملحوظ وهو الطالع أى الفأل.

من بين حواديتك

يشير بخجل نحو نفسه بالبطولة بكلمة حواديتك، كما استخدم صيغة الجمع لتوكيد معنى سوء اختيارها لكثرة تلك الحواديت.

و ف يدي سيفى المسحور

تفسير لمعنى البطولة الذى أراد أن يوحى به للمحبوبة.

سهانى

اعتذار للمحبوبة ونقمة على غريمة ووصف له بالغدر.

وخطف أيامي

وصف وتوضيح لغدر غريمه.

كان نفسي

يحاول أن ينقل لها أحلامه التى كان ينوى أن يحققها لها.

وصمت برهة لكى ينقل معنى الحسرة.

أجرى على حصانى

يستكمل الكلام عن حلمه بعد كفكفة دمعة هاربة.

و أسابق زمنى المستور

يذكر لها الهدف من الحلم وهو سباق الزمن بل وسباق مع الغيب نفسه، واستغنى بذلك عن وصف حالها بالتخلف الذى أوصلها له الغول.

و أجيبلك
وقف معلق للتشويق.

م الجاى ... من بكره

يستمر فى التشويق والترغيب بمداعبة الخيال بقوله م الجاى.

وتوقف قليلا واستأنف قائلا من بكره، وهى توحى بأن بكره هو مكان لا زمان يأتى لها منه بأروع الأشياء، كما توحى بالعزم إذ كثيرا ما نقول من بكره سوف أفعل كذا وكذا، ولمزيد من الترغيب قال م الجاى فجاء حذف النون موفقا وكأنه يغرس فيها اللهفة لما يحمله لها، ثم عاد وثبت النون للتوكيد على صدق نيته فى قوله من بكرة.

حريه

لعظمة الهدية التى كان ينوى تقديمها لها وضعها وحدها منفردة مؤكدا بذلك على قيمتها الفريدة.

ف طبقى البنور

ولأن الهدية نفيسة يضعها فى طبق من البللور أى قلبه الشفاف الخالى من شوائب المكر والخداع.

ضمينى

توحى الكلمة بأنه اقترب قليلا منها.

إدينى القدره

نشعر بسقوط الحاجز بينهما فلم يخجل من طلب معونتها.

من غيرك عاجز

تصريح تام بحاجته لها بلا خجل مما يشى بتعاطفها معه وأن مهمته فى إفاقتها توشك على النجاح ولكنها مرهونة بها وبإرادتها.

عَ الفكره

حيرة وشلل فى التفكير إذا ما تخلت هى عنه.

و الضلمة

توحى الكلمة بالعجز وبالخوف كما توحى بطول انتظاره وكأن الليل هبط عليه فى وقفته تلك أو كأنه بانتظار فجر لا يأتى.

محوطانى بسور

ينتقل لوصف الظلمة وما تفعله به وتحبسه عن محبوبته.

لا بيدي ..

يتوقف هنيهة كى نتذكر أن يده خاوية بعد سرقة سيفه قبل التصريح بقلة الحيلة.

أقفز و أعدي

يصرح بالعجز عن تخطى أسوار الظلمة المحيطة به ويذكرنا بالأبيات الشهيرة للشاعر نجيب سرور

بينى وبينك سور ورا سور

وانا لا مارد ولا عصفور.

مستنى هايجينى الدور ..

بثبات قلب ينتظر مصيره ودوره.

يدبحنى ...؟

يستبق النتيجة بسؤال يحمل معنى الاستهانة بذلك المصير.

تتجدد راسي

يفسر سر استهانته فالأفكار لا تموت والشعب لا يموت.

يقتلنى ...؟

يحاول تأكيد شجاعته، وثباته بذكره للقتل بعد أن ذكر تجدد الرأس وكأنه كائن أسطورى له مقتل مجهول.

أنا مش مقتول

ينفى بشكل قاطع إمكانية قتله فنفهم سر عناده ومثابرته.

و باغنى من قلبى الحكمه :

(مِن يصبر لازم هاينول) ...!

يردنا إلى بداية القصيدة فينفى ما بدأه بها من نفاد صبر باستدعاء الحكمة بل والتصريح بها.
وبعد أيها القارئ العزيز
فيما مضى كنا نقرأ شعر القدماء ونفسره بكلام مقرب من العامية، ولكن مع نضج الشعر العامى، هاهى الآية تنعكس فنشرح العامية بالفصحى، وهى قضية تحتاج إلى النظر والتأمل.

2 التعليقات:

شيماء النمر يقول...

سيدتي الفاضلة بعد قرائتي لدراستك المفصلة لقصيده جبريل ...أخبرك بأنني استفد كثيرا من كيفية قراءة نقدية لقصيدة فأنا أعكف حاليا على كتابة دراسه لعشرة قصائد

وانا سعيده بوصولي لمدونتك كنت اسمع عنك من بعيد واول مره سمعت عنك حينما قالت اميره انك ستناقشين كتابها"المجموعه القصصيه"وقتها تمنيت ان احضر لاستمع لهذا النقاش

لك مني خالص التحايا

سامية أبو زيد يقول...

أشكرك يا شيمو على هذا المرور الطيب وأرجو أن يكون جهدى المتواضع ذا فائدة حقيقية لك وأن يكون لائقا بعمدتنا الأستاذ جبريل.
تحياتى