Powered By Blogger

القتل لم يعد كافيا الثلاثاء, مايو 20, 2008

















المطالع لصفحة الحوادث فى أية جريدة فى العالم فى أيامنا هذه، يفجعه ما يراه من حوادث القتل وما تتسم به من بشاعة.
ولكن هل المسألة تتعلق بالضحية وحدها؟ هل تكمن البشاعة فى ميتة الضحية وما تتعرض له من نكال؟
كل الموت بشع بلا شك، ولكن ما يثير الدهشة والقلق هو كيفية القتل، وأحيانا ما بعد القتل. ويصبح القاتل هو موضوع القلق والحيرة بل والشفقة أحيانا.
فيما مضى كان الجانى يطعن ضحيته فى مقتل، أو يدس لها السم أو يستعمل سلاحا ناريا أو، أو إلخ . وكانت جريمة القتل تتراوح ما بين سبق الإصرار وما بين القتل الخطأ، والدفاع عن النفس وغيرها الكثير من أشكال القتل التى تنحصر فى ثلاثة عناصر، قاتل ومقتول وساعة وقوع الجريمة والتى غالبا لا تتعدى الدقائق المعدودات.
وبين الفينة والأخرى كانت الصحف تتداول حدثا فريدا من نوعه، ويصحبه نداء الباعة الشهير ’’اقرا الحادثة .. اقرا الحادثة‘‘، وكانت معظم تلك الحوادث تحمل عناوين مثيرة من عينة سقوط عصابة خطف الأطفال، أو القبض على سفاح النساء، إلى آخر تلك المظاهر التى تحمل الإثارة لشذوذها، فيقبل عليها القراء وترتفع مبيعات الصحف.
أما اليوم فلم يعد هناك ما يثير دهشة القارئ، بعد انتشار صفحات الجريمة والحوادث فى الصحف والمجلات، بل وتخصص بعض الإصدارات فى عالم الجريمة، فضلا عن انتشار أفلام العنف والإثارة والتى قد تكون مستوحاة من جرائم حقيقية، أو موحية لجرائم جديدة من نوعها قد تقع فيما بعد. كما لم تعد أخبار القتل والعنف حكرا على الصحف حيث دخل الانترنت ومن بعده البلوتوث ورسائل المحمول فى تلك الحلقة المحيطة برقبة وبعقل المواطن، ويصبح عليه أن ينتظر دوره فى أن يصير الضحية التالية بصورة أو بأخرى، إما قاتلا أو مقتولا.
والقول بأنه الضحية التالية، وتقديم القاتل كضحية ليس من باب زلات القلم؛ فالقاتل يصبح ضحية حين يتعرض لاختلال نفسى يدفعه نحو هذه الجريمة البشعة. وكما ذكرت آنفا كان القاتل يجهز على ضحيته فى دقائق بوسيلة ما، ثم يخرج من تلك الحالة، وقد يعتريه الندم أو يفيق من الحالة التى دفعته إلى القتل فور انتهائه منه، أى من قتل ضحيته.
أما المخيف فيما يحدث هذه الأيام، ويحتاج وقفة من قبل علماء النفس وعلماء الاجتماع وكذلك علماء التربية وخبراء الإعلام، هو صورة الجريمة اليوم، والحالة التى يكون عليها القاتل. فكثيرا ما نرى تمثيلا بالضحايا وتشويها لهم.
وهنا مكمن البشاعة، فالضحية حتى لو تعرضت للاغتصاب ثم القتل، أو العكس قتل ثم اغتصاب ـ وهو أمر غير نادر الحدوث ـ يبقى عذابها مرهونا ببقائها على قيد الحياة، وينتهى عذابها ورعبها بوفاتها، فلا يضيرها ما يحدث بعد ذلك لجثتها من تشويه أو طعنات متفرقة فى الجسد أو تقطيع إلى آخر تلك البشاعات. فالبشاعة المعنية هاهنا هى مقدار التشوه النفسى والحالة التى يكون عليها القاتل، فلا يكتفى بطعنة أو اثنتين، أو انتهاك لجسد الضحية ثم الإجهاز عليها، بل فى الحالة التى تظل مسيطرة عليه والتى قد تمتد لساعات بل وأيام قبل الإفاقة منها.
وفى أحوال كثيرة نرى ذلك المجرم وقد راح يبحث عن ضحايا جدد إذا ما مرت جريمته الأولى بسلام أى دون أن يدرى بها أحد، فينشأ لدينا قاتل متسلسل، وهو أمر تشكو منه الكثير من المجتمعات بكافة مستوياتها. فلا فرق بين دولة متقدمة ودولة متخلفة، ولا بين مجتمع راق ومجتمع منحط.
والأغرب من ذلك أن هذا النوع من القتلة لا يقتصر على شريحة ما، ونجد أن ما يجمع بينهم هو الاختلال والنزوع نحو الشر الذى كثيرا ما يكون مستترا خلف مظاهر خادعة، مثل الانطواء أو الدماثة الظاهرة، ويكون رد فعل المحيطين بالجانى من معارفه وأقربائه، هو الدهشة لدى انكشاف أمره التى قد تصل إلى حد عدم التصديق. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على غياب التواصل والإحساس بالآخر وهمومه.
كما نجد أن هذا النوع من القتلة لا يختص بشريحة عمرية ولا نوعية، من ذكر أو أنثى. ولنا فى الأكياس البلاستيك خير مثال، بعد أن أصبحت مدعاة للتندر والتفكه بين الرجال وبعضهم البعض فى مقابل النساء، وذلك فى إشارة لتكرار حوادث قتل بعض الزوجات لأزواجهن وتعبئتهم فى أكياس بلاستيكية!!! ولنتذكر سويا فيلم ’’المرأة والساطور‘‘ المستوحى من جريمة السويس التى وقعت منذ عدة سنوات، وهزت الرأى العام فى مصر على سبيل المثال. فهو أحد الشهود على ما ورد ذكره فى موضع سابق عن الأفلام المستوحاة من تلك الجرائم ودورها فى الترويج لها دون وعى.
وليس من قبيل المصادفة ارتباط كثير من هذه الجرائم بعلة جنسية ما، وتتجلى فى اقترانها بحالات الاغتصاب الشاذة سواء انتهاك الموتى، أو اغتصاب الأطفال وغير ذلك الكثير من الآفات الجنسية. وكثيرا ما نرى المجرم وقد قام بتشويه الأعضاء التناسلية بعد فراغه من ضحيته!! مما يشى بأن بالفعل القتل لم يعد كافيا، وأن هؤلاء المجرمين يعانون من اختلال نفسى شديد يحتاج منا الدراسة والرعاية الثاقبة والحازمة.
أخى الإنسان، ماذا أصابك؟ ترى أين غابت إنسانيتك ومن ضيعها؟
ترى .... من التالى؟



0 التعليقات: