Powered By Blogger

عين الشاعرة الثلاثاء, أبريل 08, 2008






ضمن المشروع القومى للترجمة بإشراف الدكتور جابر عصفور، اضطلعت الشاعرة فاطمة ناعوت بترجمة ’’رواية لم تكتب بعد‘‘ للكاتبة والمفكرة فيرجينيا وولف، كما قامت بترجمة حوار متخيل مع الكاتبة الراحلة مصدره شبكة المعلومات، ولم تكتف بالترجمة بل قامت بالتقديم لترجمتها حيث تكلمت عن الكاتبة الراحلة، فكانت المقدمة عملا أدبيا رفيع المستوى وبحثا قيما فى حد ذاته، واختارت الشاعرة فاطمة ناعوت أن تمنح العمل الثلاثى الذى قدمته لنا ـ وهو المقدمة والترجمتين ـ اسما يليق بكل من فاطمة ناعوت وفيرجينيا وولف، فأسمته ’’جيوب مثقلة بالحجارة‘‘ ولنا مع العنوان وقفة.
حين تطالع الكتاب يلفت نظرك بشدة الاقتدار اللغوى الذى تتمتع به الشاعرة، والمدهش أنها تجمع بين القدرة اللغوية فى لغتها الأم وهى اللغة العربية، وكذلك اللغة الإنجليزية والتى تمثل منهلا لثقافة الشاعرة تغترف منها كيفما وأنى تشاء، فنراه منعكسا فى أعمالها. وقد تجلت هذه القدرة فى اختيارها ترجمة مغايرة لترجمتى كل من د. سمية رمضان (غرفة تخص المرء وحده) وأستاذها د. ماهر شفيق (غرفة خاصة) عند كلامها عن أحد أعمال الكاتبة وهو A Room of One's Own واختارت أن تسميه ’’غرفة تخص المرء‘‘.
وقد صدق الدكتور ماهر فى قوله إن القارئ سيجد متعة ثلاثية فى ذلك العمل الذى جمع بين فن فيرجينيا وولف القصصى وتقدمة فاطمة ناعوت الجامعة بين سعة المعرفة بموضوعها والقدرة على تقمص خبرة الكاتبة بالإضافة إلى قصة فيرجينيا وولف فى ثوبها العربى الراهن حيث جاورت المترجمة بين أمانة النقل وطلاقة الأداء.
كان هذا ملخص تعليق الدكتور ماهر شفيق، ولكن المتع لم تتوقف عند حد معين فى كتاب فاطمة ناعوت، فكما سبق القول وكما شهد الدكتور شفيق كانت اللغة عنصرا أساسيا فى كتاب الشاعرة، أضف إلى ذلك عنصر ’’الاختيار‘‘ أو الانتقاء.
كان اختيار فاطمة ناعوت لترجمة فيرجينيا وولف موفقا، وكان أشبه بالرسالة لا مجرد عمل للتربح أو للشهرة كما يفعل الكثيرون. ولكن لأن فاطمة ناعوت فيلسوفة تتدثر بعباءة الشعر، لذا كان من البديهى أن يكون لها فلسفتها الخاصة عند قيامها باختيار عمل ما للترجمة، فلا يكون عملا ما، بل عملا فريدا تقوم به على خير وجه. وهكذا اختارت فيرجينيا وولف وسيرتها المشتجرة لتقدمها للقارئ العربى، كنوع من الإنصاف لكل من الكاتبة والقارئ العربى على حد سواء، فالكاتبة ليست معروفة للقارئ العربى العادى، كما أنها ليست مفهومة للقارئ العادى، ولولا قدرة الشاعرة فاطمة ناعوت اللغوية التى سبقت الإشارة لها لما أمكن قراءة فيرجينا بهذه الصورة الممتعة، ولغمض علينا الكثير من مقاصد الكاتبة. ويكفى أن الشاعرة لم تفجأ القارئ بفكر وكتابة فيرجينيا فقدمت سيرتها أولا وقربته من عقل الكاتبة ثم وضعت الملامح الرئيسية للعمل قبيل الترجمة مباشرة، كى تكون أشبه بإرشادات المرور قبل التوغل فى العمل الأدبى نفسه، وهنا يبرز لنا ’’الأداء‘‘ عند فاطمة ناعوت.
فعل الترجمة عند فاطمة ناعوت لا يقتصر على كونه نقلا أمينا لمعانى الكلمات والعبارات، وهذا ما يميز أدائها لفعل الترجمة، فهى لا تكتفى بالنقل الأمين أو النقل بتصرف من لغة لأخرى، بل يصاحب حركة الترجمة عندها أفعال أخرى ترى ألا غنى عنها كى تصل الأمانة على أكمل وجه ممكن، منها على سبيل المثال لا الحصر المقارنة بين استخدام المرضين وهما صدمة القذيفة لدى فيرجينيا فى روايتها مسز دالواى وبين الإيدز لمايكل كننجام فى روايته الساعات والتى يتناول فيها اليوم الأخير فى حياة فيرجينيا بالتساوق مع روايتها مسز دالواى. وأدلت الشاعرة برأيها قائلة إن هذا التغيير سلبى وتسطيح لفكرة وولف.
فماذا نرى فى هذا الرأى؟ نرى أن فاطمة ناعوت كى تدلى برأيها وتوصل فكر وولف للقارئ العربى بذلت من الجهد الكثير، فنراها تقرأ ما كتبته وولف وما كتب عنها وتتأمل وتنظر وتحلل، فلا تفوتها المعانى التى رمت إليها وولف والقصور الذى لحق بعمل كننجام حين قام بالتغيير واختيار مرض عصرى لعله أراد به مجرد المسايرة للكلام عن الإيدز كهاجس يشغل الإنسانية.
وأغلب ظنى أن رحلة فاطمة ناعوت مع ’’جيوب مثقلة بالحجارة‘‘ جاءت كالتالى، فى البدء كانت القراءة الواعية لفيرجينيا وولف وعنها، ثم متابعتها والفهم العميق لمواقفها ودوافعها فيما تكتبه، ثم ملاحظة الغبن أو التجاهل الذى نالها، أو لنقل عدم وصول أعمال وأفكار وولف بالشكل اللائق وخاصة للقارئ العربى. ثم الشروع فى تعريف القارئ العربى بهذه المفكرة التى تعتبر من رائدات الفكر النسوى وذلك من خلال مقدمة تكاد تصل لمستوى البحث أو الرسالة، ومن ثم رحلة البحث والاستشهاد بأحد أعمالها وهو ’’رواية لم تكتب بعد‘‘، ثم المزيد عن فيرجينيا من خلال الحوار المتخيل معها على النت.
وعندما انتهت فاطمة ناعوت صار لديها كتاب لا هو ترجمة خالصة لقصة ما، ولا هو مجرد سيرة لكاتبة ما، بل ترجمة لفيرجينيا وولف بالمعنيين القديم والحديث، لذا جاء العنوان الذى اختارت أن تضم به عملها كأوفق ما يكون. فالميتة التى اختارتها فيرجينيا لا تعد انتحارا عاديا، بل هى ميتة جديرة بشاعرة وفيلسوفة، وذلك حين ملأت جيوبها بالحجارة ودلفت إلى النهر فى سكون. وهنا تأتى عين الشاعرة فاطمة ناعوت لترصد هذه الميتة فتضعها عنوانا لعملها، وكأن تلك الجيوب المثقلة بالحجارة هى فيرجينيا وولف ذاتها بكل ماضيها المثقل بالآلام والمخاوف وحاضرها القلق ومستقبلها الذى فزعت منه، فجاء العنوان وكأنه قصيدة كاملة موجزة فى عبارة واحدة ’’جيوب مثقلة بالحجارة‘‘ أى فيرجينيا وولف. فهو عنوان ملهم لشاعرة لها فلسفتها الخاصة تحسن النظر ألا وهى فاطمة ناعوت. http://www.alimbaratur.com/forum/viewtopic.php?t=279&sid=801aac1a9b8961e300d0a70c55af6191

0 التعليقات: