Powered By Blogger

الرومانسية تطل برأسها فى أحلام شكسبيرية الخميس, فبراير 23, 2012



الرومانسية تطل برأسها فى أحلام شكسبيرية
نظرات على ديوان شعبان يوسف الجديد
بقلم: سامية أبو زيد
صدر مؤخرا عن دار ’’هفن‘‘ للترجمة والنشر والبرمجيات ديوان ’’أحلام شكسبيرية‘‘ للشاعر والناقد والأديب ’’شعبان يوسف‘‘.
وقبل إلقاء الضوء على الديوان فلنلق الضوء على شعبان يوسف الإنسان المثقف أولا، فمن يخالطه يجده كالنهرالذى يمنحك الغذاء أو يرويك بفيضه وفى أقل الأحوال تسر بمرآه، فله أياد بيضاء على الكثير من المثقفين وعلى الحركة الثقافية فى مصر، فهو جلد صبور لا يعرف اليأس، ويتجلى ذلك فى ورشته أى ’’ورشة الزيتون‘‘ بمقر حزب التجمع التى صارت كعبة للمثقفين من كافة الأصقاع، فترى العراقى والسورى والفلسطينى والبحرينى، ومنهم المغترب المقيم فى الولايات المتحدة أو فرنسا الخ... تراهم ينتظرون دورهم لمناقشة أعمالهم فى تلك الورشة التى لم يفارقها منذ ما يزيد عن ربع القرن من الزمان.
ولئن وشى هذا المسلك بشيء فأول ما يشى به هو الثبات والرسوخ على المبدأ، وهى سمة الحالمين وهذا يقودنا لفهم العنوان ’’أحلام شكسبيرية‘‘ أى عنوان الديوان المقصود.
وبالنظر فى الديوان الذى يقع فى ثلاث وأربعين ومائة صفحة، وبتصفح عناوين القصائد نجد تكرارا لاسمين بعينهما من شخصيات ’’شكسبير‘‘ المتعددة والتى رسخت فى ضمائر المثقفين كنماذج بشرية أو كعناوين لقيم ما، إذ تجد حتى العامة يستخدمون اسم ’’روميو‘‘ على سبيل المثال للدلالة على العشق ولو على سبيل السخرية حيث يقولون ’’سى روميو‘‘ أى السيد روميو عند الإشارة لعاشق يعانى تباريح الغرام؛ والاسمان المعنيان هاهنا هما ’’هاملت وأوفيليا‘‘ من مسرحية ’’هاملت‘‘ لشكسبير، مما يجعل حالتهما الفريدة فى العشق محورا للديوان، ولكن الشاعر لم يشأ التقيد بهما، كما وأن العنوان لم يكن ليصير موفقا لو نسبه لأوفيليا أو لهاملت، وهكذا وفر على نفسه الحرج وردهما لأبيهما الشرعى ’’شكسبير‘‘ فولدت ’’أحلام شكسبيرية‘‘.
لماذا أوفيليا وهاملت لا ياسين وبهية؟!
فى القصيدة الأولى فى الديوان ’’أمنية من أجل أوفيليا‘‘ ترى مطلعا مفارقا لعنوان القصيدة ذى العلم الأعجمى والأجواء الأوروبية، الدنماركية على وجه التحديد، فتجد المطلع يبدأ كالتالى:
’’لأن المآذن عالية‘‘!!!!!!
وعلامات التعجب هذه من عندى، ثم لا تلبث أن تتناقص علامات التعجب الواحدة تلو الأخرى مع محاولة الفهم والاقتراب من روح القصيدة بل والديوان ككل، إذ يبقى المشهد التصادمى بين هاملت وأوفيليا حول معنى العفاف محورا للديوان، فنرى الشاعر يتجول فى المسرحية منفعلا بها ومسقطا مشاهدها على قصائده ومستعيرا معانيها كى تتبلور فى هموم تشغله.
الهم الأول نلمحه فى القصيدة الأولى متأرجحا بين الثورة لحال الوطن حيث يقول:
’’وتهتف فى وجه هاملت:
متى تشرق الشمس يا صاحبى؟
ومتى أستعيد بلادى التى هربت من هنا؟‘‘
فهل تهرب البلاد؟ أم أن غياب اللغة يعنى بالضرورة غياب الوطن، فالشاعر من ذوى اللسان الفصيح ومن الحريصين على سلامة اللغة وسلامة الوطن عنده، من سلامة لسانه وأفكاره.
ويعود الهم للتأرجح مع حالة حب عذرى تطل على استحياء بين الكلمات حيث يقول:
’’كاد يقبلها
وهو يهبط مرتبكا وخفيفا
فأربكها!
عندما كان سلم ذاك ’’التجمع‘‘ يخلو من
الناس‘‘
ترى أى سلم وأى ’’تجمع‘‘ يقصد؟!
وترتفع نبرة الرومانسية فى القصيدة حتى تصل للذروة فى ختامها بقوله:
’’ويتركها ـ هكذا ـ بين تلك الحشود العتيدة
يرقبها.. هادئا.. هادئا
من مكان قريب لمنزلها
تتسامق عالية مثل مأذنة ترتقى للعلا
ولكنها لا تنام.‘‘
ويتبع تلك القصيدة بأخرى وهى ’’طرف من اعترافات هاملت‘‘، فنرى عروبته تقتحم استعاراته لشخصيات المسرحية بلفظة واشية وذلك حين يقول: ’’وكنت أحرس حفنة تمرٍ‘‘. وكأن الشاعر يريد القول بأن الإنسان هو ذاته الإنسان فى أى مكان وزمان، بثورته وجموحه وثاراته وعشقه وكتمان ذلك العشق، فيصبح البوح أقتل من الكتمان، ويتجلى هذا المعنى فى قوله:
’’وأنطق ما سوف يقتلنى
ثم ينسف عائلة كاملة.‘‘
وفى قصيدته ’’أحلام شكسبيرية‘‘ التى يحمل الديوان اسمها، نكاد نرى قصة متكاملة لحب عذرى منزه عن كل غرض، ومعانى النبل متجسدة فى أسمى معانيها فى كلماته:
’’أخاطبك من مخابئ روحى..
ومن لغتى المعلنة..
ساعدنى أن أكون صديقة أذنك..
أو اكون شعاعا يفيض..
يضيء ظلامك ـ هذا ـ الذى يتكدس
فى غرفة أنت تسكنها..‘‘
هو العطاء بلا مقابل هنا، والبحث عن الرفقة الطيبة فى أذن تعرف كيف تصغى فيكون الإصغاء عطاء فى ذاته، ويتأكد المعنى بشكل أكثر جلاء فى القصيدة التالية ’’صعود أوفيليا‘‘ التى تبدأ بالقول:
’’تباغتنى فى مساء قريب
وترسل بعض حروف مودتها
ـ عبر هاتفها ـ‘‘
فنفهم من تلك العبارة أنها قامت بإرسال رسالة ودودة عن طريق المحمول وإلا فيم قوله حروف؟! ولكن الشاعر لا يستأثر بها ويؤكد على طهارة تلك المشاعر بقوله:
’’أنا يا صديقى
صديقة هذا الهواء
وأختٌ لكل الذين تراهم حولى
يجوبون هذى الشوارع ـ فى صخبٍ ـ
دون أى وجل..
أنا يا صديقى
أحبك جدا
أحبك فعلا
أحب الحياة التى منحتنى لسانا نظيفا،
ووجها صبوحا،
وقلبا يردد ـ فى قوة ـ:
(إذا كنت شريفة وجميلة،
فإن شرفك ينبغى
أن يصون جمالك من المخالطة)*‘‘
فانظر كم خلع عليها من الملائكية والعفاف وكم أجاد توظيف العبارة المقتبسة من حوار هاملت وأوفيليا من المسرحية التى قام بترجمتها د. عبد القادر القط رحمه الله. فهو هنا وإن باح وصرح بالحب لكنه لم يعرض ولم يشبب بالمحبوبة، بل أكد على نبالة تلك المشاعر، بل يسمو بها حتى يصل لذرى تقترب من الصوفية فى قصيدته ’’صرخة هاملت وذراع أوفيليا‘‘ حيث استعار المقولة الشهيرة لرابعة العدوية:
’’أحبك حبين،
(حب لأنك أهل لذاك)‘‘
وتأتى هذه الكلمات فى معرض صرخات هاملت ـ الذى تلبسه ـ بالحقيقة، وبرفضه الخيانات ومن يعتلون العروش دون حق، فيعيدنا تارة أخرى للوطن، الذى لم يتوار بطول الديوان، بل كان يستتر أحيانا خلف وجه أوفيليا أو أحلامها.
وهكذا يتنقل بنا الشاعر من حلم إلى حلم ومن بوح إلى بوح فى قصائده حتى نهاية الديوان، ويحبس أنفاسنا بصور بالغة الروعة مثل قوله:
’’ويصعد فوق سلالم أضلعه،
ثم ينشد بعض قصائده،‘‘
التى حملت صورا مركبة تفيض جمالا، فما بين الصعود فوق سلالم الأضلع التى توحى بالمكابدة وبين إنشاد القصائد نرتد بأذهاننا إلى السلم الموسيقى، فكأن أضلعه سلما يرتقى أو السلم الموسيقى، وهى صورة آية فى الابداع والتوفيق إذ تراوحت بنا بين المعاناة والنشوة.
ومن الصور البديعة كذلك قوله ’’وتحطين خرافة نهرك فى عطشى‘‘ فى قصيدة ’’تهويمات‘‘ التى يختمها قائلا:
’’أنك فيض ضياء
يطلع فى شهقات البوح.‘‘
فكأنه الغريق أو المحتضر عشقا الذى يسأل نفسه متعجبا فى موضع آخر فى قصيدة ’’جنون الباليه‘‘:
’’أيعقل أن أتلعثم فى كل حرف؟
أيعقل أن يصمد القلب مشتعلا
كل هذى السنين؟‘‘
ثم يستطرد حتى يختم القصيدة بما يشبه الاعتراف:
’’أنا أتنفس ـ فعلا ـ
وأهذى بكل فضائلها.‘‘
وكما بدأ الديوان بأوفيليا ختمه بهاملت، والمدهش فى الأمر تلك القسمة العادلة بين هاملت وأوفيليا فى العناوين، فجاءت خاتمة الديوان قصيدة ’’مشهد من هاملت‘‘ لتفصح عن الخط العام للديوان وهو القلق والحيرة والكتمان والظنون التى تحرك القلب الغافى فتبلبل العقل وتقلق الروح، كحال هاملت حين رأى شبح أبيه.
ولكن الفارق بين هاملت وبين شعبان يوسف، أن شعبان يوسف لم ولن يفقد حلمه، وسيبقى يطارده ما بقيت أنفاسه تتردد، وسيبقى عطاؤه للحركة الثقافية كما هو، فمعدنه لا يعرف الصدأ ولا انطفاء البريق.


للاطلاع على المقال
http://www.assawt.com/AssawtPortal/UI/Article.aspx?ArticleID=10666

0 التعليقات: