Powered By Blogger

الكبريت فوق الخميس, مارس 10, 2011

الكبريت فوق

بقلم: سامية أبو زيد

’’قلت لك لن تتزوجها‘‘.... قلتها بحزم واتجهت نحو المطبخ، وبحركة آلية رفعت يدى بحثا عن الكبريت لأطفئ نار غضبى بسيجارة وفنجان من القهوة لعل عكارة القهوة تطغى على عكارة المزاج عقب المشادة الكلامية بينى وبينه.

وأمام الموقد وقفت أراقب القهوة وأتأمل ذكرياتى معه، أتأمل كيف كانت النظرة منى كافية لردعه، وأتذكر ابتسامة الاستحسان حين يرتدع وأتساءل بينى وبين نفسى... ألهذه الدرجة يتغير المرء؟ أهذا هو فعل الأيام؟ أم تراها أفعالنا ولا ندرى؟

لم أضربه يوما ولم أغصبه على شيء، حتى فى فترة المراهقة حين اعترته حالة من العفونة الطارئة التى تصيب من هم فى سنه، كنت أقول له بهدوء كى أحفزه على الاستحمام إنه كبر ولن يلومنى أحد ويقول إننى لم أحممه، أو يعيب على عدم عنايتى به؛ فكان لا يستجيب فأصبر عليه، أو يقاطعنى متمما كلماتى التى حفظها، أو يستجيب ويسحب الفوطة ويتوجه نحو الحمام ليخرج بعده منتعشا، فأغض بصرى كى لا يلمح نظرة رضا أو انتصار تدفعه لنوبة عناد أشد فيما بعد، فتكون المعركة التالية أشد استعارا.

تركته يفعل ما يشاء وبنفسى يقين أن الاهتمام بالجنس الآخر سوف يتولى عنى المهام الصعبة فى تهذيبه، وصبرت وصبرت حتى بدأن فى الظهور بشكل متواتر. فمن هذه اكتسب عادة التعطر ومن تلك بدأ يعتنى بهندامه وأخرى دفعته للنجاح ورابعة وخامسة و.. و.. و حتى ظننت أن دورى انتهى وأنه قد آن الأوان ألا أخاف عليه من حماقاته ومن طيشه.

يطلبنه على الهاتف فأناديه دون أن أسأله من هذه أو ما علاقته بتلك، يخرج ويعود وقتما يشاء وأكتفى بسلامته وسلامة دمائه من آفات العصر، وحين يبوح لى بسر أو بمعنى أدق يتخذ سمت المعترف بغية التطهر، يكون جوابى عندئذ أن من حقه أن يخطئ ولكن ليس من حقه التنصل من خطئه، وأننى لن أكون ضميره يوما ما فأغفر أو لا أغفر.

وشيئا فشيئا بدأن فى الاختفاء من حياته وبقيت هى، تلاحقه على المحمول وعلى الماسينجر وفى الفيس بوك، باتت تعرف عنه أدق تفاصيل يومه المملة، لا يخرج دون أن يفتح ’’الكام‘‘ على الماسينجر لتعلن رضاها عن مظهره، بل وتتخير له العطر المناسب لمشواره.

لكم أثر ظهورها فى حياته عليه وعلى سلوكه! لكأنها أعادته سيرته الأولى حين كان طفلا وادعا لين العريكة، فأزالت الغبار المتراكم عبر سنوات التمرد فعاد له ألقه وطموحه حتى صار ما صار. وبطبيعة الحال أصبحت هى كل حياته كما يقولون فى الأفلام... وكما يقولون فى الأفلام قلت له ’’الجوازة دى مش لازم تتم‘‘.

أخشاها وأخشى تحررها، تلك التى لا تتورع عن اصطحابه فى سيارتها لرحلة إلى شرم أو إلى الغردقة أو تلك المنتجعات المتكاثرة المتناثرة بطول الساحل الشمالى. أتلصص على صورها على جهازه خلسة فأراهما معا فى لقطات مرحة حميمة فأتذكر عشرات الأفلام التى بنيت على التهديد بالصور فأتساءل أين ذهب كل هذا؟

لذلك رفضت زواجه منها حين فاتحنى فى الأمر، رفضت دون إبداء للأسباب، فأنا أدرى بمصلحته... أو لعلى لم أجد سببا حقيقيا للخوف عليه ومن ثم الرفض!

قلبت القهوة ومعها أفكارى فتذكرت دماءه السائلة من أكثر من موضع فى رأسه وجسده عقب حوادث شتى مر بها ومرر عيشتى بسببها، ناهيك عن عادته المريعة فى اللعب بالكبريت، فتارة يشعل أوراقا تحت السرير وتارة يشعل المبيد الحشرى، وحين لم يفلح معه الإقناع والتنبيه للمخاطر التى يعرض نفسه لها، بل والحروق التى أصابته عدة مرات، لم أجد بدا من وضع الكبريت فى الرف العلوى كى لا يعبث به.

فى هذه اللحظة فقط انتبهت لمكان الكبريت، فأنزلته لموضع قريب وخرجت من المطبخ وبيدى فنجان القهوة، وعلى وجهى تعبير لو رأيته فلن أفهمه أنا شخصيا...

سامية أبو زيد

مصر الجديدة فى 7 سبتمبر 2010

0 التعليقات: