المتابعونالمصحف المرتلأستاذة.. سامية أبو زيد
أديبة فى دروب المعرفة
على عصا العلم تتوكأ.. وكلما قطعت دربا ازددت حيرة.. فلا من الأدب ارتويت ولا من العلم اكتفيت. مواقع تهمنيفضفضةالزوارأصدقائي
هع مين هناكساعة الحظ |
سامية أبو زيد .. كاتبة مصرية
سامية أبو زيد
إنهما يكتبان... على ورق البردي | الاثنين, ديسمبر 07, 2009 |
Filed under:
|
إنهما يكتبان... على ورق البردي
**************
بقلم: سامية أبو زيد
***********
للمرة الثانية يلتقى الكاتبان عمرو عز الدين والدكتور محمد الدسوقي فى كتاب ساخر يجمعهما وذلك بعد تجربتهما الناجحة فى كتاب ’’حوار عواطلية‘‘ والذى نفدت طبعته الأولى مما حدا بدار ليلى للنشر لإصدار طبعة ثانية وهى قريرة العين ومطمئنة تمام الاطمئنان لمبيعات الكتاب، فجاء لقاؤهما الثانى عبر دار الغد للنشر فى إصدار جديد لهما يمكن تسميته مجازا ’’حوار عواطلية2‘‘ إلا أن الكاتبين آثرا ألا يستثمرا الإسم لعدة أسباب، منها ألا يكون عالة فى نجاحه على الكتاب الأول وأن يخرج للقراء قائما برأسه تحت عنوان ’’مصر على ورق البردي‘‘.
وهكذا نرى دارى نشر وهما يراهنان على اسم كاتبين شابين فى مقتبل مسيرتهما الأدبية إلا أنهما جوادان رابحان لصاحب البصيرة النافذة، وقد نجح الرهان إلى حد كبير، وذلك بعد أن استوت التجربة واستغلظ ساقها وباتا أكثر تفاهما وثقة فى قلميهما.
فالدكتور محمد والأستاذ عمرو لمن لا يعرف قصتهما، لم يلتقيا على أرض الواقع إلا بعد صدور الطبعة الثانية من كتابهما الأول، وكانت ـ حسبما قاما بتصدير كتابهما الثانى ـ لقاءاتهما كلها عبر الشبكة العنكبوتية من خلال المنتديات التفاعلية ومن ثم عبر الماسينجر، وقد نجحا آنذاك إلى حد كبير فى التماهى مع بعضهما البعض فى الأسلوب، وكان رهانا بين من يعرف قلميهما لمن ينجح فى رد عبارة ما أو فقرة ما لواحد منهما، وقلما نجح البعض وكثيرا ما أخفق الكثيرون بمن فيهم عتاة القراء.
وبعد أن تم اللقاء المنشود بينهما وبعد أن اكتسب قلمهما ثقة ووزنا، عظم التحدى أمام القارئ وأمامهما، أى كان تحديا مزدوجا، فمن ناحية يشفق الكثيرون من تكرار تجربة ما وخاصة لو كانت شاقة، ويخشون الفشل لمعرفتهم المسبقة بحالة التربص التى تعترى النقاد والجمهور وذلك إذا قمنا بتغليب سوء الظن، وعند حسن الظن تكون الخشية من لهفة القراء التى قد يليها إحباط بعدما جنحت بهم التوقعات نحو آفاق لعلها لم تخطر ببال صاحب العمل أو أصحابه فى بعض الأحيان. وفيما يخص القارئ من تحديات فى هذه الحالة بالتحديد، أى فى حالة عز الدين ـ الدسوقي، فتتمثل فى قدرته على التكهن بالعبارات والفقرات الخاصة بكل منهما، والتى ازدادت صعوبة لدرجة تشارف الاستحالة، فلو أغفلت اسمى الكاتبين أو قمت بنزع الغلاف، لوقر فى ظنك أن المؤلف واحد وذلك بعد أن اشتد التناغم والتجانس فيما بينهما لدرجة عز أن توجد.
وقد جاء كتاب ’’مصر على ورق البردي‘‘ برهانا على نجاح العمل المشترك فأجادا استثمارهما لتلك الحالة التى وجدت بينهما من التفاهم، وبالتالى أصبحت القصص التى ضمها الكتاب أكثر توفيقا وإحكاما من كتابهما السابق، وذلك بالرغم من تناقص عدد القصص إلى أربعة فحسب، والقصة الأخيرة فى الكتاب والتى سنعود لها فيما بعد كانت الأطول بعد أن قاربت على نصف حجم الكتاب ككل. والقصص فى مجملها أطول من سابقاتها التى فى الكتاب الأول، وبالرغم من ذلك لم يعبها الطول بل كان الإيقاع العام منضبطا ويحمل ملامح السخرية الهادفة والواعية ولكن بتركيز أكبر وبثقة أشد.
والآن فلنترك حوار عواطلية جانبا لنركز على الكتاب الذى بين يدينا وهو ’’مصر على ورق البردي‘‘، فنجد أن الكتاب يحمل بين طياته أربع قصص كل منها يلخص هما من هموم الوطن ولكن بشكل ساخر لا يخلو من الجدية الواعية كما أسلفنا، فنجد القصة الأولى وهى ’’جواز على ورق البردي‘‘ تحمل الهم المشترك لدى شباب هذا الجيل والأجيال التى سبقته، وهى مشكلة الزواج وضعف الإمكانيات المادية، وكيف لا وقد يصادف الكثيرون منهم من يعيش مع والديه فى شقة الجد والجدة نتيجة لاضطرار الآباء للزواج فى بيوت الأهل، فمن البديهى إذن أن تكون المشكلة أزلية حتى أنها تضرب بجذورها للزمن السحيق، زمن الأجداد الأولين من الفراعنة!؟ وبهذا كانت القصة شديدة التوفيق، وقد تميز الحوار فيها بدرجة عالية من الفكاهة التى لا تفقد رونقها وقدرتها على الإضحاك ولو كررت قراءتها أكثر من مرة، ويرجع ذلك لحسن رسم شخصيتى البطل والبطلة والإيقاع المشدود بلا اضطراب. ولو جردت البطل والبطلة من صبغتهما الفرعونية لما فقدت القصة قدرتها على الإضحاك وهذا مما يحتسب للكاتبين.
ويفرغ الكاتبان من هم الزواج لينتقلا إلى هم الثقافة والأدب فى القصة التالية وهى ’’كلنا لها‘‘، حيث قاما بتناول حال فئتين من الأدباء، فئة الأدباء الشبان من ذوى الأحلام العريضة، وفئة المحبطين والمثبطين من الأجيال السابقة عليهم، وبين هؤلاء يتنقل البطل فى أروقة معابد الثقافة التى اندثرت أمام زحف ’’المشروعات الكبرى والنوادى الليلية، التى تهتم بتقديم نوع آخر من الثقافة والفنون ـ يتابعه العامة وهم يشربون الجعة بوفرة‘‘، حتى يصل به الأمر للدخول فى مسابقة أدبية للنشر. ولا يفوت الكاتبين السخرية من أدعياء الثقافة ومن بعض الدخلاء على النقد الذين يستندون فيما يسمونه زورا بالنقد على الألفاظ الغليظة والغريبة التى يحشون بها مقالاتهم النقدية وكأن غايتهم القصوى هى التوكيد على غباء القارئ وانفرادهم بالفهم. وهنا نجد لمحة ذاتية أخرى من هموم هذين الشابين اللذين تصادف وحملا هم الكلمة ورسالتها، فهما شابان مقبلان على الزواج، هذه واحدة وهما كذلك أديبان شابان يبحثان عن فرصتهما، وهذه هى الثانية.
أما الهم الثالث أى القصة الثالثة فهو حال الطب فى بلادنا، وجاء تحت عنوان يبدو ظريفا ولكنه فى حقيقة الأمر مخيف، وهو ’’بخ بخ بخ بخ طب ولكن..‘‘، والمقصود ببخ هاهنا المعنى المتداول فى العامية عند الرغبة فى ترويع شخص ما وليس المقصود ’’بخ بخ‘‘ الفصحى والتى تقال عند الاستحسان، ولذلك فقد تكررت كلمة بخ أربع مرات فى العنوان لترتد بالقارئ نحو المعنى العامى الراسخ فى وعيه، فانظر لأى مدى كانا جادين ودقيقين فى عملهما الذى قد يتناوله السطحيون بخفة وبغرض الضحك فحسب!!
وفى هذه القصة تراوحت الهموم الصحية بين مشاكل متعددة بدءا من التمريض السيء ومرورا بحال تعليم الطب فى بلادنا وحتى الدجل العلمى واعتماد بعض الأطباء على الدعاية لأنفسهم لا على براعتهم الحقيقية فى الطب، مثلهم فى ذلك مثل تجار السمن الصناعى أو فلنقل شركات البيع عبر التليفزيون التى انتشرت فى العقدين الأخيرين.
وبرغم الجرعة العالية من الفكاهة فى هذه القصة التى تبلغ حدا يمكننا من وصفها بالكوميديا السوداء، إلا أنها لم تخل من الجدية فى الطرح والفائدة للمتلقى بما أورده الكاتبان من معلومة صحيحة تاريخيا مع الإشارة لها فى الهامش عن أصل كلمة طحال التى تم تحريفها من مرنب ـ تحال فى عهد أحمس الأول إلى توحال حتى انتهى بها الأمر إلى طحال فى نهاية عهد الدولة الحديثة، وسوف تتكرر مثل هذه الهوامش فى القصة الرابعة.
ونأتى لجوهرة التاج وهى القصة الرابعة فى الكتاب والتى جاءت تحت عنوان ’’أين هرمى ـ سينما هيروغليفية‘‘، ولوصفها بجوهرة التاج حيثيات كثيرة، ولنبدأ بالعنوان الذى يتسائل عن الهرم بصيغة الملكية فحمل بذلك أكثر من إشارة. الإشارة الأولى للفيلم الشهير ’’أين عقلى؟‘‘ وبذا تكون تكملة العنوان بسينما هيروغليفية شديدة التوفيق، أما الإشارة الثانية فهى تمس عصرنا الحالى مسا يقترب من الاتهام، فلئن بنى أجدادنا الهرم وتركوه لنا إرثا، فأين هرمنا أو أين انجازاتنا التى سنورثها لأحفادنا!؟؟
ونفرغ من العنوان لننتقل إلى القصة ذاتها والتى اتخذت شكلا غير مسبوق لا من حيث أنها قصة بداخل القصة فحسب بل لأنها فانتازيا داخل الفانتازيا، فالكتاب حسبما نعلم تدور قصصه كلها فى إطار خيالى فى العصر الفرعونى وكلها تحمل رموزا وإشارات لواقعنا المعاصر.
هذا عن مجمل الكتاب، أما فى القصة الأخيرة فنجدها تبدأ بسينما هيروغليفية ولوكيشن تصوير فرعونى والمخرج يشد فى شعره لعدم تمكنه من العثور على ممثلة مناسبة للدور وذلك لخشيتهن من الرقابة والصحافة المتربصتين بالسينما وأسهل ما عندهما هو انتقاد ملابس البطلات الخليعة وغايتهما القصوى هى ذبح حرية الإبداع وتقييدها وذلك فى حال اجتراء صاحب العمل على الدخول فى المنطقة المحرمة وهى الذات الفرعونية المقدسة والسياسة بشكل عام. والحق أن الكاتبين كانا فى منتهى الحذق والبراعة فى تناولهما لتلك الهموم الرقابية والجهر بأن البغل فى الإبريق.
ثم ينتقل الكاتبان إلى قصة الفيلم نفسها والتى تبدأ فى عصر بناء الهرم الأكبر لنجدها مكتوبة فى شكل مشاهد هى أقرب ما تكون إلى سيناريو سينيمائى حقيقى، وتدور الأحداث ببطلى الفيلم خوفو وشبسكاف لتلقى بهما فى نقلة من نقلات الفانتازيا إلى عصرنا الحالى بعريهما وحفاء أقدامهما ليقعا فى مفارقات عدة من أبرزها وأجرأها وقوعهما بالخطأ فى قبضة الشرطة التى أخذتهما من بين من أخذتهم فى مظاهرة ضد التوريث، وبعد الإفراج عنهما خشية أن يكونا من الأجانب ـ فى إشارة واضحة تكررت فى موضع سابق إلى الخوف من عواقب إغضاب الأجانب وما قد تثيره بلادهم من مشاكل قد تصل حد الاجتياح والتجويع ـ ينتهى الفيلم نهاية مفتوحة حول مصير البطلين خوفو وشبسكاف وهما يبحثان عن الطريق إلى الهرم الذى يقبع خلفهما ولكنهما لم يتعرفا عليه، فى دلالة غاية الروعة على البحث عن طريق وطرح الماضى خلف ظهورنا، وفى دلالة أخرى عن اغترابنا عن إرثنا الثقافى، وهو المشهد الأخير فى الفيلم لتنزل بعده التيترات.
وهكذا تخلص الكاتبان من معضلة مصير خوفو وشبسكاف ليعودا بالقارئ إلى القصة التى بدأ معها وهى قصة انتاج الفيلم وتكون النهاية المحتومة هى ردود الفعل المتباينة فى الصحف والقنوات الفضائية بما فيها رأى الأديب العالمى نجيب ـ حتب فى الفيلم وفى حرية الإبداع بشكل عام، ثم خبر عن عاجل عن خلل عقلى ـ كالعادة ـ أصاب المخرج أدى به إلى الانتحار بإلقاء نفسه فى النهر للتماسيح المقدسة عقب شعوره بالذنب لمساسه الذات الفرعونية المقدسة وسط شماتة الكهنة واعتبارهم ما حدث عقاب الرب للكافرين!!
ومما يرفع من قيمة هذه القصة عن باقى الكتاب ويجعلها جوهرة التاج كما أسلفنا، تلك التنقلات البارعة بين الماضى والحاضر وبين المباشر والرمز، بشجاعة وخفة ظل ليست جديدة على الكاتبين وفوق هذا وذاك لم يهرب منهما الإيقاع عبر صفحاتها رغم كونها الأطول.
وختاما وبعد فراغنا من قراءة ’’مصر على ورق البردي‘‘ لهذين الشابين، حق علينا القول إن مصر ولادة.
بقلم: سامية أبو زيد
***********
للمرة الثانية يلتقى الكاتبان عمرو عز الدين والدكتور محمد الدسوقي فى كتاب ساخر يجمعهما وذلك بعد تجربتهما الناجحة فى كتاب ’’حوار عواطلية‘‘ والذى نفدت طبعته الأولى مما حدا بدار ليلى للنشر لإصدار طبعة ثانية وهى قريرة العين ومطمئنة تمام الاطمئنان لمبيعات الكتاب، فجاء لقاؤهما الثانى عبر دار الغد للنشر فى إصدار جديد لهما يمكن تسميته مجازا ’’حوار عواطلية2‘‘ إلا أن الكاتبين آثرا ألا يستثمرا الإسم لعدة أسباب، منها ألا يكون عالة فى نجاحه على الكتاب الأول وأن يخرج للقراء قائما برأسه تحت عنوان ’’مصر على ورق البردي‘‘.
وهكذا نرى دارى نشر وهما يراهنان على اسم كاتبين شابين فى مقتبل مسيرتهما الأدبية إلا أنهما جوادان رابحان لصاحب البصيرة النافذة، وقد نجح الرهان إلى حد كبير، وذلك بعد أن استوت التجربة واستغلظ ساقها وباتا أكثر تفاهما وثقة فى قلميهما.
فالدكتور محمد والأستاذ عمرو لمن لا يعرف قصتهما، لم يلتقيا على أرض الواقع إلا بعد صدور الطبعة الثانية من كتابهما الأول، وكانت ـ حسبما قاما بتصدير كتابهما الثانى ـ لقاءاتهما كلها عبر الشبكة العنكبوتية من خلال المنتديات التفاعلية ومن ثم عبر الماسينجر، وقد نجحا آنذاك إلى حد كبير فى التماهى مع بعضهما البعض فى الأسلوب، وكان رهانا بين من يعرف قلميهما لمن ينجح فى رد عبارة ما أو فقرة ما لواحد منهما، وقلما نجح البعض وكثيرا ما أخفق الكثيرون بمن فيهم عتاة القراء.
وبعد أن تم اللقاء المنشود بينهما وبعد أن اكتسب قلمهما ثقة ووزنا، عظم التحدى أمام القارئ وأمامهما، أى كان تحديا مزدوجا، فمن ناحية يشفق الكثيرون من تكرار تجربة ما وخاصة لو كانت شاقة، ويخشون الفشل لمعرفتهم المسبقة بحالة التربص التى تعترى النقاد والجمهور وذلك إذا قمنا بتغليب سوء الظن، وعند حسن الظن تكون الخشية من لهفة القراء التى قد يليها إحباط بعدما جنحت بهم التوقعات نحو آفاق لعلها لم تخطر ببال صاحب العمل أو أصحابه فى بعض الأحيان. وفيما يخص القارئ من تحديات فى هذه الحالة بالتحديد، أى فى حالة عز الدين ـ الدسوقي، فتتمثل فى قدرته على التكهن بالعبارات والفقرات الخاصة بكل منهما، والتى ازدادت صعوبة لدرجة تشارف الاستحالة، فلو أغفلت اسمى الكاتبين أو قمت بنزع الغلاف، لوقر فى ظنك أن المؤلف واحد وذلك بعد أن اشتد التناغم والتجانس فيما بينهما لدرجة عز أن توجد.
وقد جاء كتاب ’’مصر على ورق البردي‘‘ برهانا على نجاح العمل المشترك فأجادا استثمارهما لتلك الحالة التى وجدت بينهما من التفاهم، وبالتالى أصبحت القصص التى ضمها الكتاب أكثر توفيقا وإحكاما من كتابهما السابق، وذلك بالرغم من تناقص عدد القصص إلى أربعة فحسب، والقصة الأخيرة فى الكتاب والتى سنعود لها فيما بعد كانت الأطول بعد أن قاربت على نصف حجم الكتاب ككل. والقصص فى مجملها أطول من سابقاتها التى فى الكتاب الأول، وبالرغم من ذلك لم يعبها الطول بل كان الإيقاع العام منضبطا ويحمل ملامح السخرية الهادفة والواعية ولكن بتركيز أكبر وبثقة أشد.
والآن فلنترك حوار عواطلية جانبا لنركز على الكتاب الذى بين يدينا وهو ’’مصر على ورق البردي‘‘، فنجد أن الكتاب يحمل بين طياته أربع قصص كل منها يلخص هما من هموم الوطن ولكن بشكل ساخر لا يخلو من الجدية الواعية كما أسلفنا، فنجد القصة الأولى وهى ’’جواز على ورق البردي‘‘ تحمل الهم المشترك لدى شباب هذا الجيل والأجيال التى سبقته، وهى مشكلة الزواج وضعف الإمكانيات المادية، وكيف لا وقد يصادف الكثيرون منهم من يعيش مع والديه فى شقة الجد والجدة نتيجة لاضطرار الآباء للزواج فى بيوت الأهل، فمن البديهى إذن أن تكون المشكلة أزلية حتى أنها تضرب بجذورها للزمن السحيق، زمن الأجداد الأولين من الفراعنة!؟ وبهذا كانت القصة شديدة التوفيق، وقد تميز الحوار فيها بدرجة عالية من الفكاهة التى لا تفقد رونقها وقدرتها على الإضحاك ولو كررت قراءتها أكثر من مرة، ويرجع ذلك لحسن رسم شخصيتى البطل والبطلة والإيقاع المشدود بلا اضطراب. ولو جردت البطل والبطلة من صبغتهما الفرعونية لما فقدت القصة قدرتها على الإضحاك وهذا مما يحتسب للكاتبين.
ويفرغ الكاتبان من هم الزواج لينتقلا إلى هم الثقافة والأدب فى القصة التالية وهى ’’كلنا لها‘‘، حيث قاما بتناول حال فئتين من الأدباء، فئة الأدباء الشبان من ذوى الأحلام العريضة، وفئة المحبطين والمثبطين من الأجيال السابقة عليهم، وبين هؤلاء يتنقل البطل فى أروقة معابد الثقافة التى اندثرت أمام زحف ’’المشروعات الكبرى والنوادى الليلية، التى تهتم بتقديم نوع آخر من الثقافة والفنون ـ يتابعه العامة وهم يشربون الجعة بوفرة‘‘، حتى يصل به الأمر للدخول فى مسابقة أدبية للنشر. ولا يفوت الكاتبين السخرية من أدعياء الثقافة ومن بعض الدخلاء على النقد الذين يستندون فيما يسمونه زورا بالنقد على الألفاظ الغليظة والغريبة التى يحشون بها مقالاتهم النقدية وكأن غايتهم القصوى هى التوكيد على غباء القارئ وانفرادهم بالفهم. وهنا نجد لمحة ذاتية أخرى من هموم هذين الشابين اللذين تصادف وحملا هم الكلمة ورسالتها، فهما شابان مقبلان على الزواج، هذه واحدة وهما كذلك أديبان شابان يبحثان عن فرصتهما، وهذه هى الثانية.
أما الهم الثالث أى القصة الثالثة فهو حال الطب فى بلادنا، وجاء تحت عنوان يبدو ظريفا ولكنه فى حقيقة الأمر مخيف، وهو ’’بخ بخ بخ بخ طب ولكن..‘‘، والمقصود ببخ هاهنا المعنى المتداول فى العامية عند الرغبة فى ترويع شخص ما وليس المقصود ’’بخ بخ‘‘ الفصحى والتى تقال عند الاستحسان، ولذلك فقد تكررت كلمة بخ أربع مرات فى العنوان لترتد بالقارئ نحو المعنى العامى الراسخ فى وعيه، فانظر لأى مدى كانا جادين ودقيقين فى عملهما الذى قد يتناوله السطحيون بخفة وبغرض الضحك فحسب!!
وفى هذه القصة تراوحت الهموم الصحية بين مشاكل متعددة بدءا من التمريض السيء ومرورا بحال تعليم الطب فى بلادنا وحتى الدجل العلمى واعتماد بعض الأطباء على الدعاية لأنفسهم لا على براعتهم الحقيقية فى الطب، مثلهم فى ذلك مثل تجار السمن الصناعى أو فلنقل شركات البيع عبر التليفزيون التى انتشرت فى العقدين الأخيرين.
وبرغم الجرعة العالية من الفكاهة فى هذه القصة التى تبلغ حدا يمكننا من وصفها بالكوميديا السوداء، إلا أنها لم تخل من الجدية فى الطرح والفائدة للمتلقى بما أورده الكاتبان من معلومة صحيحة تاريخيا مع الإشارة لها فى الهامش عن أصل كلمة طحال التى تم تحريفها من مرنب ـ تحال فى عهد أحمس الأول إلى توحال حتى انتهى بها الأمر إلى طحال فى نهاية عهد الدولة الحديثة، وسوف تتكرر مثل هذه الهوامش فى القصة الرابعة.
ونأتى لجوهرة التاج وهى القصة الرابعة فى الكتاب والتى جاءت تحت عنوان ’’أين هرمى ـ سينما هيروغليفية‘‘، ولوصفها بجوهرة التاج حيثيات كثيرة، ولنبدأ بالعنوان الذى يتسائل عن الهرم بصيغة الملكية فحمل بذلك أكثر من إشارة. الإشارة الأولى للفيلم الشهير ’’أين عقلى؟‘‘ وبذا تكون تكملة العنوان بسينما هيروغليفية شديدة التوفيق، أما الإشارة الثانية فهى تمس عصرنا الحالى مسا يقترب من الاتهام، فلئن بنى أجدادنا الهرم وتركوه لنا إرثا، فأين هرمنا أو أين انجازاتنا التى سنورثها لأحفادنا!؟؟
ونفرغ من العنوان لننتقل إلى القصة ذاتها والتى اتخذت شكلا غير مسبوق لا من حيث أنها قصة بداخل القصة فحسب بل لأنها فانتازيا داخل الفانتازيا، فالكتاب حسبما نعلم تدور قصصه كلها فى إطار خيالى فى العصر الفرعونى وكلها تحمل رموزا وإشارات لواقعنا المعاصر.
هذا عن مجمل الكتاب، أما فى القصة الأخيرة فنجدها تبدأ بسينما هيروغليفية ولوكيشن تصوير فرعونى والمخرج يشد فى شعره لعدم تمكنه من العثور على ممثلة مناسبة للدور وذلك لخشيتهن من الرقابة والصحافة المتربصتين بالسينما وأسهل ما عندهما هو انتقاد ملابس البطلات الخليعة وغايتهما القصوى هى ذبح حرية الإبداع وتقييدها وذلك فى حال اجتراء صاحب العمل على الدخول فى المنطقة المحرمة وهى الذات الفرعونية المقدسة والسياسة بشكل عام. والحق أن الكاتبين كانا فى منتهى الحذق والبراعة فى تناولهما لتلك الهموم الرقابية والجهر بأن البغل فى الإبريق.
ثم ينتقل الكاتبان إلى قصة الفيلم نفسها والتى تبدأ فى عصر بناء الهرم الأكبر لنجدها مكتوبة فى شكل مشاهد هى أقرب ما تكون إلى سيناريو سينيمائى حقيقى، وتدور الأحداث ببطلى الفيلم خوفو وشبسكاف لتلقى بهما فى نقلة من نقلات الفانتازيا إلى عصرنا الحالى بعريهما وحفاء أقدامهما ليقعا فى مفارقات عدة من أبرزها وأجرأها وقوعهما بالخطأ فى قبضة الشرطة التى أخذتهما من بين من أخذتهم فى مظاهرة ضد التوريث، وبعد الإفراج عنهما خشية أن يكونا من الأجانب ـ فى إشارة واضحة تكررت فى موضع سابق إلى الخوف من عواقب إغضاب الأجانب وما قد تثيره بلادهم من مشاكل قد تصل حد الاجتياح والتجويع ـ ينتهى الفيلم نهاية مفتوحة حول مصير البطلين خوفو وشبسكاف وهما يبحثان عن الطريق إلى الهرم الذى يقبع خلفهما ولكنهما لم يتعرفا عليه، فى دلالة غاية الروعة على البحث عن طريق وطرح الماضى خلف ظهورنا، وفى دلالة أخرى عن اغترابنا عن إرثنا الثقافى، وهو المشهد الأخير فى الفيلم لتنزل بعده التيترات.
وهكذا تخلص الكاتبان من معضلة مصير خوفو وشبسكاف ليعودا بالقارئ إلى القصة التى بدأ معها وهى قصة انتاج الفيلم وتكون النهاية المحتومة هى ردود الفعل المتباينة فى الصحف والقنوات الفضائية بما فيها رأى الأديب العالمى نجيب ـ حتب فى الفيلم وفى حرية الإبداع بشكل عام، ثم خبر عن عاجل عن خلل عقلى ـ كالعادة ـ أصاب المخرج أدى به إلى الانتحار بإلقاء نفسه فى النهر للتماسيح المقدسة عقب شعوره بالذنب لمساسه الذات الفرعونية المقدسة وسط شماتة الكهنة واعتبارهم ما حدث عقاب الرب للكافرين!!
ومما يرفع من قيمة هذه القصة عن باقى الكتاب ويجعلها جوهرة التاج كما أسلفنا، تلك التنقلات البارعة بين الماضى والحاضر وبين المباشر والرمز، بشجاعة وخفة ظل ليست جديدة على الكاتبين وفوق هذا وذاك لم يهرب منهما الإيقاع عبر صفحاتها رغم كونها الأطول.
وختاما وبعد فراغنا من قراءة ’’مصر على ورق البردي‘‘ لهذين الشابين، حق علينا القول إن مصر ولادة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
© 2008 سامية أبو زيد .. كاتبة مصرية
Design by Templates4all
Converted to Blogger Template by BloggerTricks.com
1 التعليقات:
أشكرك بشدة على استعراضك الانيق للكتاب :)
و مادام أنه قد حاز إعجابك .. فهو حتماً يستحق القراءة :)
تحية و سلام .. و عام سعيد باذن الله .
إرسال تعليق