Powered By Blogger

بانوراما الفتنة الكبرى الأحد, نوفمبر 22, 2009

بانوراما الفتنة الكبرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: سامية أبو زيد
ــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرا ما ينأى الكاتب بنفسه عن موضوع يراه البعض حديث الساعة، ضنا منه بقلمه على التحليق فى السرب ومفضلا التحليق وحيدا كالعقاب فى فضائه الخاص، ولكنه قد يضطر أحيانا إلى الإدلاء بما عنده ليطرح رؤيته الخاصة.
ومن قابل السطور سوف يدرك القارئ أن الفتنة المعنية هاهنا هى الأحداث التى تواكبت ولقاءات مصر والجزائر، مرة فى الجزائر ومرة فى استاد القاهرة وأخيرا فى استاد المريخ بالسودان الشقيق.
ولنبدأ القصة من أولها بالإعلانات التى اعتمدت فى تشجيعها قبل المباراة الأولى فى الرابع عشر من نوفمبر الجارى وعلى مدار الساعة فى كافة الفضائيات على هدف حسام حسن فى لقاء مصر والجزائر السابق، والذى أثار فى حينها لغطا كثيرا، والقول يا ’’رجالة‘‘ وكأن الرجولة حكرا مصريا بحتا، ومن هنا بدأ الشحن. وبدأت حملات مشبوهة على الفيس بوك واليوتيوب تعتمد على ما يشبه الأغانى، وهى فى حقيقة الأمر أقرب إلى الردح وقد وصل بعضها إلى السباب والخوض فى الأعراض.
كل ذلك حدث بمباركة من الفضائيات التى اهتبلت الفرصة ورأت فيها استثمارا جيدا، لكن ماذا عن الحكومات؟؟
ما السر فى مباركتها تلك النيران المندلعة!!!؟
قبل الولوج إلى عريضة الاتهامات فلنكمل النظر إلى ما حدث، قيل إن البعثة الجزائرية تعرضت للرشق بالحجارة والاعتداء عليها، وفى اليوم التالى خرجت الأهرام المصرية بالقول إن الحادث ملفق، لتتوالى بعدها الكليبات على اليوتيوب والفيس بوك، لتكذب لا الصحف المصرية فحسب، بل والصحف الجزائرية والإعلام الجزائرى كذلك، وهنا لنا وقفة.
لنبدأ بذلك اللاعب الجزائرى الذى خاض المباراة وأم رأسه معصوبة بضمادة عليها طاقية من الشبك ليبرز تساؤل، لو أن تلك الإصابة ناجمة عن طوبة، أو ليس من الأرجح عندئذ إصابته بارتجاج فى المخ!؟ وأن عليه الخضوع للملاحظة الطبية طيلة أربع وعشرين ساعة!؟؟ على كل حال يبدو أنها لم تكن بهذه الخطورة بدليل مشاركته فى المباراة، وبالتالى فالضرب لم يكن وحشيا كما قيل.
ثم استمرت الفتنة وقيل إن المصريين حاصروهم وضربوهم وقتلوا لاعبا منهم رأينا صورته فى الكليب الخاص بالشروق الجزائرية التى ساهمت فى تأجيج الغضب، وقيل قتيل وقيل سبعة قتلى وقيل أربعة عشر قتيلا، انظر كيف تتضاعف الأرقام شأنها شأن الشائعات، ولكن لن أستبق الأمور وأقول أهى شائعات أم حقائق، فليس هذا ما يعنينى.
ولنعد قليلا إلى كليب جريدة الشروق الجزائرية، فنرى ذلك اللاعب الباكى وهو يحكى وليس به خدش واحد، وجل همه تصوير ما يحدث، فهل كان مرتديا طاقية الاخفا عن الوحوش المصرية الهمجية!؟؟
ومما يثير الريبة أكثر وأكثر، أن الشروق كانت تغطى كل لقطة للضحايا الذين لم نر منهم إلا ضحية واحدة بكلمة الشروق ’’قال يعنى‘‘ حصريا فتبدو لنا الصورة بالتالى مشوشة وغير قابلة للتدقيق.
ولنفرض أن لاعبا جزائريا مات فى تلك الأحداث فعلا، أين الشرطة فى مصر والجزائر؟؟؟ ألا يجدر بالحكومة الجزائرية عندئذ أن تستدعى السفير المصرى وتحتج على ما حدث!؟ ألا يجدر بناديه وبالاتحاد الكروى على أقل تقدير اعلان اسم الشهيد وإعلان الحداد!؟؟
ولكن ما حدث أن الجماهير الجزائرية الغاضبة حاصرت الجالية المصرية المتركزة فى مساكن شركة الأسمنت وحاولت الفتك بها، ولم تستمع لبيان وزارة الخارجية الجزائرية التى أعلنت ألا صحة لما يقال عن القتلى المزعومين. وهنا لنا وقفة أخرى.
فتلك الجماهير الغاضبة لم تتحرك لسبب هين، بل ثورة من أجل دماء أبنائها التى أريقت فى البلد الشقيق مصر، ولم تتدبر الأمر قليلا وتتذكر التعهد الذى وقعته مصر للفيفا بضمان سلامة البعثة الجزائرية، ليقال بعدها ما قيل عن القتل، فلم إذن سكتت الفيفا؟؟؟ هذه واحدة...
أما الثانية فهى ثورة الجماهير بالرغم مما سبق الإشارة إليه من بيان وزارة الخارجية الجزائرية التى كذبت موضوع القتل، ولكن الشروق استمرت هى وغيرها فى إنكار التكذيب المذكور، ليبرز لنا مدى التخبط الذى صرنا نقع فيه نحن الجماهير أمام التضاربات الإعلامية، وكيف فقد الإعلام الحكومى فى بلداننا العربية مصداقيته وكذلك الإعلام الخاص، فالإعلام الرسمى متهم بالديبلوماسية والتهدئة على حساب الدماء الوطنية، والإعلام الخاص أو الحر سمه ما شئت، ولكنه فى حقيقة الأمر إعلام استثمارى... متهم بالاتجار فى مشاعر وعقول الشعوب وكل ما يهمه فى الأمر نسبة المشاهدة. الدماء والموت والحروب محض مانشيتات ساخنة تدر أموالا، وكذا الفتاوى الدينية والفضائح، يستوى لديهم عمرو خالد ويوسف القرضاوى مع هيفاء ونانسى مع شارون وأوباما وبوتفليقة والبشير ومبارك، كلهم دجاجات تبيض ذهبا إلى حين.
وأخيرا نأتى لما حدث عقب المباراة التى أقيمت فى الخرطوم، فنسمع فى الجزيرة علماء الدين يخاطبون الشعبين للتهدئة وهذا ليس مربط الفرس، بل يكمن مربط الفرس فيما قاله رجل دين تابع لجماعة الإنقاذ المحظورة فى الجزائر، حيث أعلن أن السلطات الجزائرية منعته من السفر إلى السودان لمحاولة تهدئة الجماهير، ولكن المذيعة قالت له ألا يمكنك أن تقوم بهذا من مكانك فى الجزائر؟؟ فكان رده أنه يعجب منعه فى الوقت الذى سمحت فيه السلطات بالسفر لمحكومين سابقين ومنهم من لايزال خاضعا لنظام المراقبة... وعند هذه العبارة توقف العقل ليدور حولها ألف سؤال كلها تفضى إلى هاجس واحد، أن السلطات الجزائرية أرسلت بلطجية لحضور المباراة والقيام بالواجب.
ولم تمض ساعة حتى تعزز هذا الظن بنظرة على الفيس بوك، حيث قام شاب لم يخدش عامه العشرين بتسجيل كليب يتوعد فيه المصريين بالثأر لدماء اخوانه الشهداء ويعلن كراهيته لمصر بسبب عمرو أديب وما قام به من شحن ضدهم، وتوعده ومعه المصريين الذاهبين إلى السودان قائلا إن الذاهبين لحضور المباراة ليسوا جزائريين بل حثالتهم وانهم ذاهبون للقصاص من المصريين، وأوضح ذلك بالقول إن هؤلاء هم المتعطلون والبلطجية وقاع المجتمع بعد أن توفرت لهم التذاكر بسعر بخس فى متناول أى منهم... وقد كان، ولكن.
تكرر السيناريو البغيض للمرة الثالثة، حول ضرب واعتداء وحصار لمشجعين مع تعديل طفيف وهو اعتداء الغالب على المغلوب من باب الثأر لهزيمة سابقة ونشوة بالنصر، لا كما تعودنا أن يكون من المغلوب نقمة على الغالب، وأمر الله غالب. ليتكرر الهوس ويعاد الفيلم الإعلامى السخيف مجددا، ويتراوح بين أكاذيب وأكاذيب مضادة وتهويلات على الجانبين واستثمار لدماء مسكوبة هنا وهناك إن صدقا أو زورا.
وهنا يراودنى ظن سيء يدخل فى باب حسن الفطن حول مصلحة الحكومات المصرية والجزائرية والسودانية فى كل ما يدور، فأجد خيطا يربط بين ثلاثة رؤساء قابعين على أنفاس شعوبهم منذ عقود، وحول رئاسة كل منهم وشرعيتها تدور الأقاويل، وحكومات فاشلة وفاسدة تلهى جماهيرها وتفرغ شحنتها الغاضبة بعيدا عنها.
نرى فتنة مصرية جزائرية ونسلط الأضواء عليها، ونغض الطرف عن حرب يمنية سعودية ضد الحوثيين ومهما بلغت نظافتها فسوف تصيب مدنيين شأنها فى ذلك شأن كل حرب، ناهيك عما يحدث من بناء لتسعمائة مستوطنة جديدة فى القدس ونحن فى غفلة كروية ماحقة.
وفى الشأن المصرى حدث ولا حرج، فقد تم تخدير الدهماء عن الغذاء المسرطن وأزمات الغذاء والمياه الملوثة بالمجارى والتوريث المسلط على رقابنا، ليمر من تحت أنوفنا حدث أشد هولا من كل ما سبق، وهو افتتاح، وتأمل جيدا افتتاح سد ’’نيكيزى‘‘ فى اثيوبيا والذى سوف يؤثر بشكل مباشر على حصة مصر فى مياه النيل، والسد المذكور لم يبن بين عشية وضحاها، بل استغرق بناؤه سبع سنوات، أى منذ السنة الأخيرة لمبارك قبل التعديل الدستورى والتجديد له مجددا!!!!
كل ذلك يحدث ونحن كالحمير المساقة فى طريق لايحيد بعد أن تم تغشية أبصارنا بموقعة مصر والجزائر، فلم نر النيل وهو ينهب، ولا يعنينا زيارة ليبرمان لاثيوبيا وكينيا وأوغندا ونيجيريا فى جولة افريقية استغرقت عشرة أيام ليبارك مشروع تعطيش مصر وتركيعها الأعظم كما يحدث الآن فى العراق حيث يعانى بلد الرافدين من الجفاف بعد أن تكاثرت على منابعه السدود الإيرانية والتركية.
فإلى متى الاتجار بدمائنا وأعصابنا وبلادنا، وإلى متى اللعب بنيران الفتنة؟ وإلى الحكام أقول لا تراهنوا على تسامح الشعوب كثيرا، هى لعب بالنار، والمثل المصرى يقول: ’’اللى يحضر عفريت يصرفه‘‘، أرونا كيف ستصرفونه!!

0 التعليقات: