Powered By Blogger

قراءة فى قصيدة ناصر النوبي الأربعاء, يوليو 22, 2009


هى بتروح فين الموسيقا
لما بتنام العيدان
ولما تسكت ياكمان
لما بحلم بيك حبيب
وانت زايد فى العناد
لما اشوفنى فى عنيكى ذكرى
واحنا لسه بنبتدى
لما نقطة مطر ترجع سحاب
الموسيقا جنية
ساكنة الخشب
اللى كان نبات
وكان شجر
مليان ورق
لونه الاصفر فى الخريف
زاهى جدا فى الربيع
الموسيقا
بحر هادى
وبحر عالى
شطه حضن
لموج مسااافر من زمن
الموسيقا
حلم صاحى
حلم حى
للى حبوا
وللى حاولوا
وللى قلبه
مليان بالأمل
ناصر النوبى


فى قصيدة الشاعر والموسيقى ’’ناصر النوبي‘‘ ’’هى بتروح فين الموسيقا؟‘‘ نشعر باصطخاب الأسئلة فى نفس الشاعر ويتردد هديرها فى أنفسنا، فيتقاذفنا البحر والشعر والموسيقى، وترتفع بنا الأمواج فى ملامسة لأفق المعانى المضطرمة فى نفس الشاعر. فاسمح لى أيها القارئ بالإبحار فى قصيدته، ولنبدأ بالعنوان ’’هى بتروح فين الموسيقا‘‘ وهو كما نلحظ عنوان يحمل طابع التساؤل والتعجب فى ظاهره، أما عن باطنه فهو يحمل الكثير...
واسمح لى أيها القارئ باستعارة قانون من الفيزيقا والتى لا تبعد كثيرا عن علوم الموسيقى وهو قانون بقاء الطاقة الذى ينص على أن الطاقة لا تفنى ولا تخلق من العدم، فنجده مطابقا للحالة التى بين يدينا أى الموسيقى، ولعل ذلك ما يفسر المعنى الضمنى الموجود بالعنوان عن مصير الموسيقى، بيد أن السؤال عن مصيرها يردنا إل تساؤل لم يطرحه الشاعر وتركه لفطنة القارئ، فقال: هى بتروح فين الموسيقا بدلا من القول من أين تأتى الموسيقى!!؟؟
وبالدخول فى القصيدة نفسها نلاحظ الآتى
هى بتروح فين الموسيقا

لما بتنام العيدان
ولما تسكت ياكمان
لما بحلم بيك حبيب
وانت زايد فى العناد

يطرح الشاعر السؤال ويعقبه بالظروف التى تغيب فيها الموسيقى وهى نوم العيدان وصمت الكمان، والعيدان تحمل أكثر من معنى إذ يتبادر للذهن أن العيدان جمع عود وهو الآلة الموسيقية المعروفة، وبالغوص أكثر نتذكر عيدان الغاب التى يصنع منها الناى والتى سوف نلمحها فى قابل القصيدة.
وحين يقول ولما تسكت يا كمان فكأنه يعاتب الكمان وهو يخاطبه، أو يتعجب من صمت الموسيقى فكأن ’’يا‘‘ أداة تعجب.
وبين العيدان بشكلها الخام وبين الكمان بشكله المشابه لجسد المرأة وحميمية احتضان الكمان وتقبيل الناى عند النفخ، نلمح عتاب المحب ثم يعود ويصرح به فى البيتين التاليين، وذلك دون إخلال بالصورة البيانية التى رسمها، فالهارمونى منشود بين الآلات الموسيقية وكذلك بين المحبين ولكن العناد يضيعه فتضيع الموسيقى.

لما اشوفنى فى عنيكى ذكرى
يستمر الشاعر فى طرح ظروف غياب الموسيقى والعتاب للمحبوب.
واحنا لسه بنبتدى لوعة واضحة فى الكلمات تؤكد أحزان الشاعر المطروحة فى البيت السابق، ويؤكد عليها بكلمة ’’لسه‘‘ فنرى التضاد الواضح بين ذكرى ولسه التى توحى لنا بالكثير مما كان مقدرا له أن يكون ولكنه لم يكن.

لما نقطة مطر ترجع سحاب
من أروع ما يميز هذا البيت اختصاره لحياة الماء بين المطر والسحاب، فكأنما يضن على الماء الذى هو أصل الحياة بمراحله الأرضية من بحار وأنهار إلخ، مما يؤكد معانى التحليق والسمو التى تخلقها الموسيقى والتى حالها من حال نقطة المطر والسحاب، وكذلك الحالة التى تنشأ عنها الموسيقى، فاللحن يولد فى أجواء سماوية من المؤلف ويحلق بالمتلقى فى تلك الأجواء كرحلة المطر والسحاب.

الموسيقا جنية

ساكنة الخشب
يستطرد الشاعر فى محاولة الفهم والإفصاح عن ما هية الموسيقى وسرها، وبذا يؤكد الصورة التى عبر عنها بنوم العيدان.

اللى كان نبات
كان الشاعر موفقا فى ذكر كلمة نبات، فالنبات كائن حى وبه تحيا سائر الكائنات حتى الموسيقى، وحين يتم قتله بقطعه لتحويله إلى خشب تتحول روحه الكامنة بداخله إلى جنية تسكن الخشب فتنوح مع الناى والكمان.

وكان شجر
مليان ورق
يستطرد الشاعر فى وصف أصل الخشب، وبتأمل حاله السابق، والقول مليان ورق موفق، إذ يحمل المعنى المباشر للورق الأخضر الذى لا يبقى على حاله كما سيرد فى البيتين التاليين، وكذلك يذكرنا بأصل الورق الذى نستخدمه وكيف كان من الشجر الحى، فكأنما يرد كل مظاهر الإبداع إلى الحياة الكامنة فى الورق الآتى من الشجر.
لونه الاصفر فى الخريف

زاهى جدا فى الربيع
تأمل من الشاعر لتبدل الأحوال وعدم الاغترار بالصورة الكائنة مما يؤكد على نزوعه للحنين لما كان.

الموسيقا

بحر هادى
وبحر عالى
شطه حضن
لموج مسااافر من زمن

فى الأبيات السابقة ما بين البحر الهادى والبحر العالى يسافر خيالنا مع الألوان المتعددة للموسيقى وتنوعها، ويتداعى إلى أذهاننا بحور الشعر، ويضع للبحر أمارة وهو الشاطئ، فهو ليس بحرا كالبحر، بل ’’شطه حضن‘‘، وفى قوله لموج مسافر من زمن اختصار جامع للزمان والمكان، فيعود للتأكيد على تبدل الأحوال وعدم ثباتها، فالموجة ترحل من شاطئ بشكل لتحط على الشاطئ المقابل بشكل آخر، كا توحى بطول السفر وعنائه وكذا عناء المبدع الموسيقى حتى يصل لوجدان المتلقى.

الموسيقا

حلم صاحى
حلم حى
للى حبوا
وللى حاولوا
وللى قلبه
مليان بالأمل

النهاية المتسارعة جاءت على غرار التصعيد الموسيقى المعروف بالكريشندو وعلى غرار الفينالة المسرحية، صاخبة متواترة رافضة لكل ما قد يقتل الأمل فيخنق الإبداع فى نفس المبدع العاشق، ولا يفوتنا حالة التبتل الواضحة فى محراب الموسيقى بتكرار ذكره لها منفردة وكأنما قداستها تحتم عليه ألا يسبقها أو يعقبها بكلمة تنتقص من فرادتها.

وبعد، كانت هذه القراءة مجرد رؤية لما حملته قصيدة الشاعر ’’ناصر النوبي‘‘ من معان لا تنتهى كموج البحر أو كنغم الموسيقى التى لا تغيب.











1 التعليقات:

أبو زهير يقول...

تحليل حاد الذكاء لقصيدة رائعة..لك كل الشكر :)