Powered By Blogger

غذاء وكساء وكيف! السبت, مايو 10, 2008





يبدو العالم فى حالة من الجنون والانفلات غير المسبوق، وقد ثارت فى الأجواء مؤخرا قضية الوقود المصنع من القمح وما تسبب فيه من ارتفاع جنونى فى أسعار السلع الغذائية بشكل عام وعلى مستوى العالم، ولكن؟ هل تكمن المشكلة فى توفر ثمن الغذاء؟ أم أن صلب المشكلة هو الغذاء نفسه؟ وهل توجه أمريكا لإنتاج هذا النوع من الوقود مسألة داخلية بحتة؟ وهل يمكن القول بأنها تراعى مصالحها بالشكل الأمثل بلجوئها لفعل كهذا؟
ويبقى سؤال هو الأهم ألا وهو: هل القمح كغذاء رئيسى هو مشكلتنا الوحيدة؟ وأعنى بمشكلتنا نحن سكان كوكب الأرض، لا سكان هذه البقعة من العالم أو غيرها، بل أقصدنا نحن بنى الإنسان.
حسبما نعلم فإن التعداد السكانى للكوكب فى تنام مستمر، بغض النظر عن شكوى بعض البلدان المتقدمة من تناقص عدد السكان فى مقابل شكوى البعض الآخر من الارتفاع المفرط فى الكثافة السكانية، تبقى المحصلة النهائية هى العدد الكلى لسكان كوكب الأرض فى مقابل اليابسة.
ويبلغ عدد سكان الأرض حتى كتابة هذه السطور 6,694,888,142 نسمة وينتظر أن يبلغ التسعة مليارات بحلول 2050م، وكما هو معروف فإن من المفترض أنهم يعيشون على اليابسة التى تبلغ 29% من المساحة الكلية للكوكب، وهو أمر غير متحقق بالنظر لاستحالة المعيشة فى بعض المناطق مثل القطبين الشمالى والجنوبى والصحارى التى لا تكاد تخلو منها قارة من قارات الأرض.
ولست بصدد عمل إحصائية من تلك الإحصائيات التى تملأ أضابير منظمات الغذاء والصحة الخ تلك المنظمات التى بح صوتها فى محاولات التنبيه للمصير المظلم الذى ينتظر الأرض، كما أننى لست معنية بالتكهن بما سيئول إليه الحال فى قابل الأيام. السؤال المحير يدور حول اللحظة الراهنة، فالوضع سيئ بالفعل ولا ينتظر الغد كى نكتشف ذلك.
تلك اليابسة التى نحيا فوقها، ما الذى يفترض بها أن تقدمه لنا؟ بخلاف المأوى سواء كنا أحياء أم أمواتا، نجدها تقدم لنا الغذاء بأنواعه وهى بديهية يعرفها كل من مرت به دروس الجغرافيا فى المرحلة الابتدائية، فلا يعقل أن ننفى كافة الزراعات والتفرغ لزراعة القمح وحده أو الأرز وحده كى نحل مشكلة الغذاء. كما أنها تمدنا بالكساء إما بشكل مباشر مثل القطن والكتان أو غير مباشر مثل الصوف والحرير كمصادر طبيعية والتى لم تعد تكفى لستر سوءات البشر، مما حدا بالإنسان إلى اللجوء لما يخرج من جوفها من بترول لتقوم صناعة الألياف الصناعية، فما العمل إذن؟
حقا لقد احتارت معنا تلك اليابسة فيما ينبغى عليها أن تقدمه لنا كى تشبع جوعنا وتكسى عرينا وتؤوينا فى حضنها الدافئ، واستعانت بإخوتها من بحار ومحيطات وأنهار كى يعينوها على إعاشة أبنائها الجاحدين أى نحن بنى الإنسان.
وكدأب الإبن الجاحد الذى يرهق ذويه بالطلبات الضرورية وغير الضرورية، لم يكتف الإنسان بالغذاء والكساء بل طلب منها أن تراعى مزاجه من شاى وقهوة ودخان بل ومخدرات مثل الأفيون والقات والقنب الهندى!! لكن أن يصل الأمر إلى حد ذهاب خبراء أفغان للعراق لا ’’للجهاد ضد الاحتلال الأمريكى‘‘ بل لتعليم العراقيين زراعة الأفيون لهو عين العجب والعبث.
فحسبما ورد بتاريخ 17 يناير 2008 فى موقع البى بى سى العربية نقلا عن تقرير نشرته صحيفة الإندبنت البريطانية، حيث تناولت فيه أوضاع الشرق الأوسط ومن بينها العراق، فتشير فيه إلى عدم قدرة المزارعين العراقيين على كسب ما يكفيهم بزرع المحاصيل التقليدية مما حدا بهم إلى اللجوء لزراعة الأفيون، وذلك عن طريق الاستعانة بخبراء من المزارعين الأفغان ذوى الخبرة الطويلة فى زراعة الخشخاش. وقد انتشرت هذه الزراعة المربحة فى عدة محافظات مثل ديالى وبلدة بهريز جنوب بعقوبة، حيث يتم زراعة الخشخاش فى حدائق البرتقال لإخفائه عن الأنظار وتحت حراسة مشددة.
ولا يخفى على أحد الدور الذى قام به المجاهدون الأفغان من زراعة للخشخاش وبيع اليورانيوم لإسرائيل ـ إبان جهادهم ضد الاتحاد السوفيتى برعاية أمريكية ـ للحصول على ثمن السلاح وتمويل ’’جهادهم‘‘ فى تلك السنوات، ويبدو أن التجربة تعيد نفسها فى أرض العراق المحتل والذى يشهد صراعات متعددة يحرص كل أطرافها على التسلح وليس الحصول على لقمة العيش فحسب.
وبالعودة لسؤالنا المحير ها نحن نطرحه من جديد، أنى لنا ما يكفينا نحن سكان الأرض من غذاء وكساء و’’كيف‘‘ بفرض أن الكوكب فى حالة سلم عام؟! وبفرض أن حركة الزراعة تتم على قدم وساق بتنسيق عالمى متوازن يلبى احتياجات البشر!!
لكم هى مرعبة تلك الصورة المثالية الحالمة، حيث الكل يزرع بالتنسيق مع احتياجات بقية الدول، وحيث يتم التعدين والتصنيع دون جور على مساحات الأرض الزراعية المحدودة والتى تنتمى ليابسة هى نفسها محدودة، وحيث الرى منتظم ومرشد فى ظل أزمات المياه الطاحنة التى تنشب أنيابها فى جوف الأرض فتهلكها وتنذر بصراعات بقاء، وبالرغم من ذلك فلا شيئ يكفى أحدا ولا يغطى احتياجات الكوكب.
فإذا وصفنا الوضع المثالى بالرعب، فكيف هو الحال وهو ما هو عليه من حروب وصراعات، وإهلاك وإحراق للمحاصيل وتبوير للأراضى بالقنابل المشعة وتفجيرات هنا وهناك لخطوط النفط التى تدمر البيئة، ونفايات نووية تدفن بطرق غير قانونية وغير آمنة، وثقب يتسع فوق رؤوسنا يوما بعد يوم؟!!
يا أهل الأرض أفيقوا.


0 التعليقات: