Powered By Blogger

القرية الكونية.. المصطلح والمدلول الاثنين, مايو 04, 2009

القرية الكونية... المصطلح والمدلول
*********
بقلم: سامية أبو زيد
********

مع شيوع بعض المصطلحات مثل العولمة والقرية الكونية وأن العالم قد أصبح قرية واحدة، إلى آخر هذه المصطلحات التى يتم تداولها دونما طول تفكير فيها، فاتنا الكثير مما يرمى إليه المصطلح ورسخ فى أعماقنا دونما تبصر بعواقبه.
فلنتأمل قليلا القول بأن العالم قد أصبح قرية صغيرة، ولنضع المصطلح وما يترتب عليه تحت المجهر ولنقم بتحليله علنا نضع يدنا على الداء ومن ثم نفتش عن الدواء.
وبادئ ذى بدء دعونا نطرح سؤالا يطفو على السطح للتأمل، ألا وهو، لم لم يتم نحت مصطلح آخر؟ لم لم نقل إن العالم قد أصبح مدينة واحدة؟؟ ولم تعبير القرية بالتحديد؟ وليس البيت أو الحى؟
قد تتلخص الإجابة فى رفض مصطلح مدينة كبيرة لما يغلب على طبائع المدن وسكانها، فالمدينة تتسم بتعدد المراكز والأحياء، بيد أن أهم ما يميز المدن هو تلك العزلة التى تحيط بسكانها، فلا يعرف الجار شيئا عن جاره، ولا يحفظ أسماء جيرانه ولا وجوههم، بل وقد يجهل اسم الشارع المجاور؛ بعكس القرية التى ما إن يفد إليها غريب حتى يتسامع بمقدمه أهلها، وهى التى لا يخفى على سكانها خافية إن فى السراء أو فى الضراء، ولذلك فهى تربة خصبة للشائعات، وكما تنتشر النار فى حقولها تنتشر الأخبار، فتكون بذلك أدق وصفا لحال الأرض من المدينة فى ظل السماوات المفتوحة وثورة الاتصالات، ولكن..
ولكن هذه هى مربط الفرس، أو بيت القصيد، إذ نعود لطرح تساؤل جديد، ألم يكن من الأجدر القول بأن العالم قد أصبح بيتا كبيرا؟ أو حجرة كبيرة بعدما انتفت الخصوصية عن حيوات الشعوب والأفراد؟ لم الإصرار على القرية؟!
قبل محاولة التكهن بالإجابة يتحتم علينا طرح سؤال آخر عمن قام بتصدير هذا المصطلح الذى قبلنا به وتداولناه دون روية، فحسب علمى قد أتانا من الغرب فى وقت تواترت علينا فيه المفردات المستحدثة والاتفاقيات التجارية مثل الجات والعولمة والقطب والواحد والنظام العالمى الجديد إلخ...، فجاء محملا بكل سطوة الغرب وبريقه وسلطانه. لذا لم يكن مصطلح البيت أو الحجرة ليعبر بدقة عن تلك المتغيرات، وذلك لما تحمله هذه الكلمة أو تلك من معانى المساواة التى تصبغ سكان البيت الواحد بعكس القرية وما تحمله من موروثات دلالية إقطاعية بشكل محدد.
فلا عجب إذن أن تتعامل الولايات المتحدة بتلك الغطرسة ـ التى تفاقمت فى السنوات الأخيرة ـ بعد أن وقر فى النفوس دون وعى وضع السيد والمسود، الإقطاعى والنبلاء فى مقابل الدهماء بكل تداعياته من التراتيب الطبقية المتوقعة. ولا عجب كذلك أن يشيع بين أوساط المثقفين وخاصة المنفتحين على الثقافة الغربية والأوثق اتصالا بها فى بعض الأحيان من ثقافة بلادهم، الشعور بالخضوع والتسليم لمدلول المصطلح ولو فى منطقة اللاوعى، فمنذ القدم كنا نعانى من عقدة ’’الخواجة‘‘ التى تطل برأسها من حين لآخر فى نبذ البشرة السمراء والتفاخر بالأصول الأجنبية فذاك يباهى بجدة شامية وآخر يباهى بعرق تركى أورثه بياض بشرته إلى جانب الإقبال على المنتجات المستوردة وعلى رأسها الأفكار والمصطلحات.
وهكذا قمنا باستيراد مصطلح القرية الكونية ومعه سيد هذه القرية، ومن ثم أعطيناه حقوق السيد ولم نحاول مراجعته، ومن ثم تسللت كافة مظاهر العولمة بسلبياتها وقبلنا بها كفلاحين لهذه القرية لهم علينا حق الليلة الأولى، وإلا بم نفسر ألا تنشط أى حركة من حركات مناهضى العولمة فى بلادنا؟! لم لم تنشأ عندنا ونشأت فى البلدان الأوروبية وفى أمريكا؟
الإجابة بسيطة فسيد القرية الآمر الناهى قد يتمرد عليه النبلاء، لكن هيهات أن يمسه الفلاحون بسوء فهم يخشون كرباجه اللاهب، والكرابيج ما فتئت تلهب ظهورنا بالتجويع والفتن والحروب، وها نحن فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية مطالبون بالحفاظ على رفاهية السيد بالمزيد من الخضوع والاستنزاف لمواردنا، والأدهى استنزاف ثقافتنا وتاريخنا ولساننا الذى ما عاد عربيا مبينا.

1 التعليقات:

Unknown يقول...

أظن أن مصطلح "القرية الكونية" هو الأدق، وهذا هو سبب شيوعه في المقام الأول، وليس فحسب لأنه مصطلح غربي..
مدلول "الطبقات" هذا لا أظنهم يقصدونه هكذا، وإن كان صحيحا في رأيي، ويؤكد دقة المصطلح!
رؤية جميلة للمصطلح!

تحياتي :)