Powered By Blogger

شهرزاد عصرية فى قاعة إيوارت الاثنين, مارس 30, 2009

شهرزاد عصرية فى قاعة إيوارت
بقلم: سامية أبو زيد
*********


من منا لم يسمع بشهرزاد تلك الثرثارة التى خلبت لب شهريار بحكاياتها الممتدة لألف من الليالى زادتها ليلة؟! وفى نهاية الليالى تنجو شهرزاد هى وبنات جنسها من بطش مولاها شهريار.
ولقد ألهبت شهرزاد الخيال وسحرت الألباب فلم يكن شهريار ضحيتها الوحيدة، بل صار لها ضحايا كثيرون من أهل الفن والفكر ومنهم توفيق الحكيم الذى كتب مسرحية تحمل اسمها وتدور حول سؤال واحد بإجابات عديدة، تختلف حسب المجيب. أما عن السؤال فقد كان ’’من هى شهرزاد؟‘‘ أو بصيغة أخرى من تكون؟ هل هى العقل الكبير كما يراها شهريار؟ أم هى القلب الكبير كما أحبها وانتحر فى سبيلها الوزير قمر؟ أم لعلها الجسد الجميل كما تمثلت للعبد الذى لا يعرف من متع الحياة إلا متعة الجسد؟
ولم تقتصر فتنة شهرزاد ولياليها المتجاوزة الألف على الكتاب المسرحيين ولم يقتصر سحرها على فنانينا العرب بل مضت تنشر سحرها وإلهامها شرقا وغربا وبكل اللغات، المنطوقة والمعزوفة، فما إن نسمع اسم شهرزاد حتى نشعر بدبيب خفى لنغمات عذبة وضعها الضابط الروسى ’’رمسكى كورساكوف‘‘، فصارت أعذب ترجمة لهذا الاسم بعد أن حفظتها الآذان عبر الأثير فى مصر والوطن العربى، إذ كانت تستخدم للإعلان عن المسلسل الإذاعى المصرى ’’ألف ليلة وليلة‘‘؛ ولم ينج التليفزيون من سحر هذه النغمات فيما بعد عندما قدمها.
ترى هل كان هذا سحر شهرزاد أم سحر النغم؟ لعله خليط من هذا وذاك، والآن ها هى واحدة من ضحايا شهرزاد، وهى فى هذه المرة امرأة مثلها، ولكنها أبدا ليست مثلها.
ضحيتنا الجديدة هى الروائية الجريئة ’’مى خالد‘‘، إذ جعلت من بطلة قصتها ’’مقعد أخير فى قاعة إيوارت‘‘ ’’شهرزاد‘‘ من نوع آخر، فنجد البطلة تقول لنفسها التالى: ’’كنت شهرزاد عصرية تتسع حدقتاك وتبتلعين ريقك اندهاشا من سلسلة حكايات آدم. وكلما أدرك شهريار الصباح تتوقف الحدوتة عند جزئية صادمة ومثيرة. لكن نظرا لأنك عصرية، فأنت شهرزاد صامتة.‘‘.
أما لماذا هى صامتة فذلك لأنها من أنصار نظرية أن ’’اختلاف الرأى يفسد بعض الود‘‘ التى ابتدعتها الكاتبة، ولماذا كانت شهرزاد وليست أية شخصية تلك التى تقمصتها بطلة الرواية، فذلك لأنها ورغما عنها لم تستطع الكاتبة مى إلا أن تكون شهرزاد فتأخذنا من حكاية إلى حكاية لترينا نوعا آخر من المهمشين، وذلك بعد أن أصبح الكلام عن المهمشين أى قاع المجتمع موضة العصر بدعوى تشريح المجتمع وكشف مساوئه وتفتيح العيون على الحقائق.
هؤلاء المهمشون الذين رصدتهم الكاتبة هم طلبة المدارس الأجنبية الذين لا يجدون أنفسهم فى جامعاتنا المصرية فيبحثون عنها فى الجامعة الأمريكية حيث البيئة الملائمة لتربية بعضهم المفتوحة إلى حد ما، أو الوسط الاجتماعى والمادى المتقارب فيما بينه والمفارق لعامة الشعب من رواد التعليم المجانى وشبه المجانى، وهؤلاء المذكورون يصابون بالصدمة لما يرونه من ممارسات غريبة عنهم وقد أتى بعضهم من تحت جناح لواء شديد البأس والصرامة.

وشهرزاد هى شهرزاد لا تقدر على الصمت، فنجد الكاتبة تتناول بجرأة وليبرالية فى التفكير والتعبير عن ذاتها ـ حيث أنها هى نفسها خريجة هذه المدارس وهذه الجامعة أى الجامعة الأمريكية ـ نجدها تتناول موضوعات شائكة وبنظرة مختلفة للعلاقات الإنسانية مثل الزواج بين المسلم والمسيحية، وكيف انتهى الأمر بتلك السيدة أن اضطرت للتخلى عن ابنها لأهل زوجها الراحل كى تتمكن من الزواج بمسيحى مثلها، وفى الوقت ذاته كى يضمن أهل الزوج الراحل تربية حفيدهم على ملة أبيه.
كذلك نجد نظرتها الفريدة للعلاقات الثلاثية بين رجل وامرأتين مثل حكاية مسز دورا زوجة محمود وضرتها نانسى، فدورا تحمل بداخلها نانسى ومحمود، وهذان يحركانها ويمنحانها الطاقة، نانسى إذن تسكنها، تشتبك معها فى خيط واحد وإن بدا لهما أنهما متنافرتان حسب تعبير الكاتبة ’’مى خالد‘‘.
أما الذى أوجعنى بيد أنه لم يصدمنى، فهو كلامها عن الرشوة العلمية فى المدارس، وذلك عندما تم وضع طالب دون المستوى فى فصل المتفوقين شريطة أن ينقل أخبار الفصل للناظرة.
حقا لقد كشفت الكاتبة عن عيوب وعورات كثيرة فى مجتمع الصفوة وعن غربة تلف أفرادها، فكأنهم يتحركون من داخل شرانق ولكنها قد لا تسفر فى الكثير من الأحوال عن فراشات زاهية الألوان.

0 التعليقات: