المتابعونالمصحف المرتلأستاذة.. سامية أبو زيد
أديبة فى دروب المعرفة
على عصا العلم تتوكأ.. وكلما قطعت دربا ازددت حيرة.. فلا من الأدب ارتويت ولا من العلم اكتفيت. مواقع تهمنيفضفضةالزوارأصدقائي
هع مين هناكساعة الحظ |
سامية أبو زيد .. كاتبة مصرية
سامية أبو زيد
مفكر كبير وحظ قليل .. بقلم رجاء النقاش | الاثنين, ديسمبر 29, 2008 |
Filed under:
|
الكتاب
42461
السنة 127-العدد
2003
مارس
9
6 من محرم 1424 هـ
الأحد
مفكر كبير وحظ قليل!بقلم: رجاء النقاش
لم أكد أنتهي من صفحة83, وهي الصفحة الأخيرة في هذا الكتاب الصغير, حتي وجدتني أعود إلي الصفحة الأولي لأقرأ الكتاب من جديد. وهنا تذكرت كلمة الأديب الروسي العالمي تولستوي والتي يقول فيها: إن الكتاب الذي لا يستحق أن تقرأه مرتين لا يستحق أن تقرأه مرة واحدة وقد صدق تولستوي فالكتابة الجميلة النافعة توجد بينها وبين قارئها علاقة تشبه الصداقة أو الصديق أو الحب. وفي الصداقة والحب ما يغري دائما بالعودة إلي الصديق أو الحبيب مرات عديدة وليس مرة واحدة. والكتاب الذي بهرني هو من هذا النوع الرفيع. وهو يحمل عنوانا لا جاذبية فيه, فعنوانه هو الثورة العربية الجديدة وكلمة الثورة لم يعد لها بريق, بل لعلنا لا نخطيء كثيرا إذا قلنا إنها كلمة تثير المخاوف والإحساس بالمتاعب والمصاعب والنهايات غير السعيدة.ولكننا إذا تجاوزنا عنوان الكتاب والتقينا بصفحاته الأولي, بل وسطوره الأولي فسوف نجد بحرا زاخرا من الآراء والأفكار والمعلومات والذكريات التي قد لا نجد لها مثيلا في كتب تحمل أضعاف ما يحمله هذا الكتاب الفريد من صفحات. وصاحب هذا الكتاب هو المفكر الكبير عبدالرحمن شاكر, وهو باحث فذ في التاريخ والحضارة, وصاحب ثقافة أدبية ولغوية عالية جدا, وقد أتاح له ذلك كله أن يعبر عن آرائه في أسلوب بالغ الوضوح والصفاء والإيجاز الذي يبتعد كل البعد عن الثرثرة والاستطراد. وفوق ذلك كله فإن هذا المفكر هو صاحب بصيره نبيلة ولديه نفاذ عجيب, فهو يضع يده علي أعصي المشاكل ويعرضها في يسر وسهولة.وبذلك تبدو الخريطة الفكرية التي يرسمها في كتابه خريطة مضيئة وليس فيها أي التباس أو غموض. ومن أهم ما يميز هذا الكاتب المفكر أنه يصل بنا دائما إلي ما يمكن عمله للخروج من الأزمات التي تحيط بنا, والتي نظن في كثير من الأحيان أننا لن نخرج من مثل هذه الأزمات سالمين.اسمه عبدالرحمن شاكرواسمه الكامل عبدالرحمن علي محمد شاكر.وأسرته هي من أقدم وأعرق العائلات العلمية والدينية والأدبية والوطنية في مصر والعالم العربي, ومنها عمان له هما العالمان الجليلان: محمود محمد شاكر, وأحمد محمد شاكر, ولهما دور رائد في الأدب وتحقيق التراث والدعوة الي الإيمان بعبقرية الأمة العربية وقدرتها غير المحدودة علي التقدم والنهوض. وعبدالرحمن شاكر الذي ينتمي إلي هذه العائلة الكريمة الشهيرة بالعلم والفضل والوطنية يعيش بعيدا عن الأضواء, فهو رجل متواضع نبيل لا يري في العمل الفكري الذي يقوم به سوي جهد يقدمه إلي وطنه وأهله, لعله يساعد بذلك في حل المشاكل وبناء المستقبل.وقد أصبح عبدالرحمن شاكر الآن علي أبواب السبعين, وهو لم يتزوج, ولم يحاول أبدا أن يحصل علي منصب يستحقه أو موقع يتلاءم مع كفاءته العالية. والخلاصة أنه نموذج مثالي للمفكر الوطني المتصوف الموهوب الذي لا يبتغي من كل مايقوم به إلا وجه الله والوطن.عبدالرحمن شاكر يؤدي واجبه بصورة مثالية نظيفة.وهو يعيش في الظل, ولكنه لا يشكو أبدا. وإن كانت هناك شكوي فهي شكواي من أننا لا نعرف قدر هذا المفكر النابغ الأصيل, ونحن لا ننتفع به كما كان يجب علينا أن نفعل. إنه جوهرة. ولكننا وضعنا هذه الجوهرة علي الرف دون سبب معقول.لا أريد هنا أن يتحول حديثي عن عبدالرحمن شاكر إلي بكاء وعويل, فليس في شخصية هذا المفكر الكبير ما يتناسب مع البكاء والعويل, فهو لا يطلب شيئا, كما أنه يتميز برجولة فكرية, إن صح هذا التعبير, أي أن ما يقدمه إلينا فيه تماسك وصلابة, بل إن فيه الكثير من الثقة واليقين بسلامة الجسم العربي وإمكانياته الكامنة فيه للتغلب علي ما يعانيه, ورجولة الفكر لا تعرف البكاء والأنين.ولنترك هذا كله لنعود إلي الكتاب الذي أثار الأفكار والخواطر, التي عبرت عنها في السطور السابقة. ولو كان في إمكاني أن أجعل هذا الكتاب الصغير الثمين في يد ثلاثمائة مليون مواطن, هم سكان الأرض العربية الآن لفعلت. ولو استطعت أن أجعل هذا الكتاب في يد كل شاب عربي من طلابنا في المدارس والجامعات لفعلت. ففي هذا الكتاب السهل الجميل الواضح خلاصة ما نحتاج إليه الآن من برنامج فكري صحيح للعمل الممكن والمجدي والبعيد كل البعد عن أي تهورات أو انقلابات أو مفاجآت أو مستحيلات.فالكاتب المفكر عبدالرحمن شاكر يحدثنا في دقة ووضوح عن الممكن العربي وهو ممكن يحمينا ويكفينا ويزيد, فهل نستمع إلي نداء الممكن العربي ونستجيب لهذا النداء؟ إن عبدالرحمن شاكر لا يدعو إلي تغيير أنظمة سياسية ولا إلي إلغاء أنظمة ملكية وإحلال أنظمة جمهورية بدلا منها. لا شيء من ذلك علي الإطلاق. ولكن الذي يطرحه علينا هذا المفكر الكبير بصورة رائعة هو إعادة ترتيب البيت العربي بما يملكه هذا البيت من إمكانيات, ودون الحاجة إلي استيراد شيء جديد, مع العناية بجرد هذا البيت العربي جردا دقيقا لمعرفة مافيه, وما يحتويه, وهو كثير.في كتاب الثورة العربية الجديدة حديث بالغ الدقة عن الوحدة العربية, وعن الإسلام, وعن ذلك الذي يمكن أن نسميه باسم الاسلام المنسي الذي تمثله الجمهوريات الإسلامية المهمة والتي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق, وفي الكتاب حديث عن إسرائيل يضع أيدينا بصورة مدهشة علي الأصول والجذور, ويكشف لنا بدقة متناهية عن الأخطاء الفادحة التي يقوم عليها الفكر الصهيوني. ولكنني لن أتعرض هنا لما ورد في الكتاب عن الإسلام أو الوحدة العربية أو إسرائيل. وقد أعود إلي ذلك في حديث آخر. ويكفي أن أقول إن الكتاب يتضمن أدق وأوضح وربما أخطر ما قيل عن هذه القضايا الكبيرة, أي الإسلام والوحدة العربية وإسرائيل ثم الاسلام المنسي في الجمهوريات الإسلامية السوفيتية السابقة. وسوف أكتفي هنا بالتوقف عند موضوع آخر أقرب إلي مجال اهتمامي وهو الثقافة, ويحدثنا عبدالرحمن شاكر عن هذه القضية المهمة والحساسة في فصل عنوانه الثورة الثقافية الحضارية وهنا يلفت المفكر الكبير نظرنا إلي حقيقة غائبة عنا وهي أن أول دعوة فكرية قوية للديمقراطية في الشرق قد انطلقت من مصر, حيث يقول المفكر الكبير: إن الدكتور عبدالعزيز الشناوي في كتابه عن الدولة العثمانية يذكر أن ترجمة كتاب المفكر المصري رفاعة رافع الطهطاوي المسمي تخليص الإبريز في تلخيص باريز إلي التركية في عام1839, كان له أثر كبير في نشر الوعي الدستوري الديمقراطي بين صفوف المثقفين الأتراك, وقد أدي ظهور هذه الترجمة إلي قيام مظاهرات طلابية منادية بالدستور. وقد أدت هذه الحركة التي أشعلها الطهطاوي في تركيا بعد عدة سنوات وبالتحديد سنة1876 إلي ظهور أول دستور تركي في عهد السلطان عبدالحميد الثاني, وقد صدر الدستور باسم المشروطية الأولي وينص علي إقامة حياة نيابية يتكون فيها البرلمان من مجلسين: مجلس الشيوخ أو الأعيان, ويعين السلطان أعضاءه, ومجلس النواب الذي عرف باسم مجلس المبعوثان والذي يتم انتخاب أعضائه من بين رعايا الدولة التركية في سائر أقاليمها.وهكذا نري أن البذرة الأولي للديمقراطية التي تعتز بها تركيا الآن كانت من غرس مفكر عربي مصري هو رفاعة الطهطاوي.يتحدث عبدالرحمن شاكر بعد ذلك عن الجانب الثقافي للديمقراطية, إيمانا راسخا منه بأن الديمقراطية هي المنهج الأساسي المطلوب للنهوض بالأمة العربية, وهنا يضع المفكر الكبير يده علي علل تعوق الديمقراطية وليس من اللائق أن تبقي حتي الآن في الجسد العربي, وعلي رأسها تلك العلة المخجلة وهي الأمية يقول عبدالرحمن شاكر: من المحزن أن الأمية بمعني عدم معرفة القراءة والكتابة تنتشر في مختلف أقطار العرب بنسبة عالية قد تتجاوز نصف أفراد الأقطار العربية, في الوقت الذي أصبح يقال فيه إن الأمي في القرن الحادي والعشرين لن يكون هو العاجز عن القراءة والكتابة فحسب, بل هو العاجز عن استخدام الكمبيوتر.حقا, أليس من المخجل أن تظل الأمية شاملة لمائة مليون عربي علي الأقل حتي الآن؟ إنه شيء مخجل بكل المقاييس, والعجز هنا لا مبرر له, لأن تكلفة الخلاص من هذه المشكلة ليست بالأمر العسير, والمسألة في الأصل تحتاج إلي أمة لديها همة حضارية قبل أي شيء آخر.وينطلق عبدالرحمن شاكر إلي حديث رائع عن موضوع كثيرا ما نعالجه في تهاون وخمول وإحساس غريب بأنه علة خفيفة بينما هو في الحقيقة علة ثقيلة جدا, ذلك الموضوع هو اللغة العربية المسكينة, حيث يقول المفكر الكبير بحق: لا ثقافة ولا تعليم بغير لغة, واللغة العربية بالنسبة لوطننا العربي هي عنصر وحدته الأولي, بل إنها دليل شخصيتنا منذ أن قال النبي العربي في الحديث المأثور عنه ما معناه إن العروبة ليست بأب لأحدكم, ولا أم, إنما العروبة هي اللسان. ثم يقول عبدالرحمن شاكر بعد ذلك: لقد عانت اللغة العربية في السنوات الأخيرة إهمالا شنيعا في تعليمها, وتسيبا فاضحا في استخدامها دون حرص علي سلامة النطق أو صحة اللفظ أو التركيب اللغوي بنحوه وصرفه, وقد شمل هذا الإهمال جميع المستويات سواء الإعلامية منها أو السياسية, وانتهي العصر الذي كان فيه الحرص علي اللغة يدفع الأدباء والكتاب إلي مراقبة بعضهم بعضا والتنبيه إلي ماقد يقع فيه أحدهم من خطأ لغوي, وكانت تدور فيه أحيانا مجادلات بين كتاب كبار حول صحة هذا اللفظة أو تلك, ولقد كانت السياسة مسئولة إلي حد كبير عن هذا الوضع, فمن يحكم بقوة السلاح لم يعد بحاجة إلي إقناع الآخرينبصحة موقفه عن طريق الفصاحة والبيان, كما كان يفعل جيل سابق من الساسة.ويتحدث الكاتب المفكر بعد ذلك عن الاهتمام الواسع بتعليم اللغات الأجنبية للأجيال الجديدة. والظاهرة في حد ذاتها إيجابية ومهمة, وهي ضرورية في ظل الظروف العالمية الراهنة, ولكن تعليم اللغات الأجنبية لا يبرر إهمال اللغة العربية وتحويلها إلي مادة ثقيلة ومكروهة من الأطفال. والحقيقة ـكما يقول عبدالرحمن شاكرـ أن الذي لا يعرف لغة بلده لن يتاح له أن يعرف شيئا آخر علي الوجه الصحيح, حتي ولا اللغة الأجنبية التي يسعي إلي اتقانها ويروي الكاتب الكبير تجربة شخصية التقي فيها بأستاذ للغة الإنجليزية رآه يوما يشكو مر الشكوي من ضعف تلاميذه في اللغة العربية, مما جعل هذا الأستاذ يجد صعوبة شديدة في تعليم اللغة الإنجليزية للتلاميذ, لأن هناك مباديء لغوية عامة لابد للتلاميذ أن يفهموها في اللغة العربية قبل أن يتعلموها في الإنجليزية, فعندما يقول لهم هذه جملة أو هذا مبتدأ وخبر فهم لايفهمون معاني هذه الكلمات, ولذلك يصبح تطبيقها علي اللغة الإنجليزية في منتهي الصعوبة. وخلاصة رأي أستاذ اللغة الإنجليزية أن الذي لا يعرف المباديء الأساسية في اللغة العربية يصعب عليه كثيرا أن يستوعب هذه المباديء في اللغة الإنجليزية. ويسجل عبدالرحمن شاكر بعد ذلك ملاحظات دقيقة أخري عن وضع اللغة العربية في الوقت الراهن, ومن ذلك قوله: لا.. أذكر هنا قصة محزنة مما آل إليه الوضع اللغوي في مصر, فقد اشتكي بعض الطلبة الوافدين من جمهوريات آسيا الوسطي أنهم قد عجزوا عن فهم بعض الدروس التي تلقي عليهم في الأزهر الشريف لأن الأستاذ كان يشرحها بالعامية المصرية, وهم الذين لم يتعلموا إلا العربية الفصحي, وعلي العكس من ذلك فقد دعا رئيس الإدارة الدينية في طشقند, عاصمة جمهورية أوزبكستان التي تضم نحو25 مليونا معظمهم مسلمون, في إحدي زياراته للقاهرة في عام1999.. دعا الي مساعدة أبناء بلاده علي تعلم اللغة العربية لكي تتاح لهم قراءة الآثار الخالدة التي أنتجها بالعربية العلماء الذين ينتسبون إلي هذه البلاد مثل الإمام البخاري والفارابي وابن سينا وغيرهم, فاللغة العربية ليست لغتنا القومية فحسب بل هي رابطة رئيسية بيننا وبين شعوب كثيرة أخري تدين بالإسلام. بل إن الدكتور بطرس غالي ـ وهو قبطي كما يعرف الجميع ـ قد دعا في الستينيات لأن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية لمنظمة الوحدة الإفريقية وبالتالي للقارة الإفريقية كلها لأنها ـ كما قال ـ هي لغة الكتاب والسنة ولكنالقصور السياسي قد حال دون الأخذ بوجهة النظر هذه, بل إنه من المؤلم أيضا أن التفاهم في منظمة المؤتمر الإسلامي يتم عن طريق اللغات الأجنبية, خاصة الإنجليزية والفرنسية وكان الأولي أن تكون الصدارة للغة العربية في مثل تلك المنظمة.وأتوقف هنا لأقول إن كتاب الثورة العربية الجديدة هو كتاب بالغ القيمة والأهمية والمتعة, من حيث المعلومات والتحليلات وأسلوب العرض السهل الجميل, وهو كتاب ينفع السياسيين لأنه من أفضل الكتب التي يمكن الخروج منها ببرنامج شديد الدقة والوضوح للعمل الممكن الآن علي نطاق واسع, والكتاب نافع جدا لكل المثقفين والمتعلمين والباحثين عن ضوء جديد يقضي علي الغموض والتعقيد في بعض قضايانا الأساسية. وعبدالرحمن شاكر صاحب هذا الكتاب البديع هو مفكر كبير ـ ولا شك ـ ولكن حظه قليل حقا. وأنا هنا لا أشير إلي الحظ الشخصي لهذا المفكر, فهو رجل متواضع قانع بما هو فيه, بل لقد اختار ذلك دون أن يفرضه عليه أحد, وذلك استجابة منه لطبيعته الأخلاقية الكريمة. ولكنني لا أحب أن يبقي حظ هذا المفكر الكبير ممتدا إلي عمله الفكري المتميز. فنحن بحاجة إلي جهود هذا المفكرو إن لم يكن هو بحاجة إلي أحد. ولعل بعض من يقرأون كلماتي يحسون بما أحس به من عاطفة محبة وتقدير لهذا المفكر, ولعلهم يحبون أن ينقلوا إليه هذا الإحساس, ولذلك فأنا لا أجد بأسا في أن أنشر رقم تليفونه وعنوانه لمن يريد أن يتصل به ويحييه ويشد علي يديه وهو يعيش في وحدته وعزلته وابتعاده التام عن الأضواء. ورقم التليفون هو2911016, أما العنوان فهو3 شارع الأمل بمصر الجديدة شقة10.
42461
السنة 127-العدد
2003
مارس
9
6 من محرم 1424 هـ
الأحد
مفكر كبير وحظ قليل!بقلم: رجاء النقاش
لم أكد أنتهي من صفحة83, وهي الصفحة الأخيرة في هذا الكتاب الصغير, حتي وجدتني أعود إلي الصفحة الأولي لأقرأ الكتاب من جديد. وهنا تذكرت كلمة الأديب الروسي العالمي تولستوي والتي يقول فيها: إن الكتاب الذي لا يستحق أن تقرأه مرتين لا يستحق أن تقرأه مرة واحدة وقد صدق تولستوي فالكتابة الجميلة النافعة توجد بينها وبين قارئها علاقة تشبه الصداقة أو الصديق أو الحب. وفي الصداقة والحب ما يغري دائما بالعودة إلي الصديق أو الحبيب مرات عديدة وليس مرة واحدة. والكتاب الذي بهرني هو من هذا النوع الرفيع. وهو يحمل عنوانا لا جاذبية فيه, فعنوانه هو الثورة العربية الجديدة وكلمة الثورة لم يعد لها بريق, بل لعلنا لا نخطيء كثيرا إذا قلنا إنها كلمة تثير المخاوف والإحساس بالمتاعب والمصاعب والنهايات غير السعيدة.ولكننا إذا تجاوزنا عنوان الكتاب والتقينا بصفحاته الأولي, بل وسطوره الأولي فسوف نجد بحرا زاخرا من الآراء والأفكار والمعلومات والذكريات التي قد لا نجد لها مثيلا في كتب تحمل أضعاف ما يحمله هذا الكتاب الفريد من صفحات. وصاحب هذا الكتاب هو المفكر الكبير عبدالرحمن شاكر, وهو باحث فذ في التاريخ والحضارة, وصاحب ثقافة أدبية ولغوية عالية جدا, وقد أتاح له ذلك كله أن يعبر عن آرائه في أسلوب بالغ الوضوح والصفاء والإيجاز الذي يبتعد كل البعد عن الثرثرة والاستطراد. وفوق ذلك كله فإن هذا المفكر هو صاحب بصيره نبيلة ولديه نفاذ عجيب, فهو يضع يده علي أعصي المشاكل ويعرضها في يسر وسهولة.وبذلك تبدو الخريطة الفكرية التي يرسمها في كتابه خريطة مضيئة وليس فيها أي التباس أو غموض. ومن أهم ما يميز هذا الكاتب المفكر أنه يصل بنا دائما إلي ما يمكن عمله للخروج من الأزمات التي تحيط بنا, والتي نظن في كثير من الأحيان أننا لن نخرج من مثل هذه الأزمات سالمين.اسمه عبدالرحمن شاكرواسمه الكامل عبدالرحمن علي محمد شاكر.وأسرته هي من أقدم وأعرق العائلات العلمية والدينية والأدبية والوطنية في مصر والعالم العربي, ومنها عمان له هما العالمان الجليلان: محمود محمد شاكر, وأحمد محمد شاكر, ولهما دور رائد في الأدب وتحقيق التراث والدعوة الي الإيمان بعبقرية الأمة العربية وقدرتها غير المحدودة علي التقدم والنهوض. وعبدالرحمن شاكر الذي ينتمي إلي هذه العائلة الكريمة الشهيرة بالعلم والفضل والوطنية يعيش بعيدا عن الأضواء, فهو رجل متواضع نبيل لا يري في العمل الفكري الذي يقوم به سوي جهد يقدمه إلي وطنه وأهله, لعله يساعد بذلك في حل المشاكل وبناء المستقبل.وقد أصبح عبدالرحمن شاكر الآن علي أبواب السبعين, وهو لم يتزوج, ولم يحاول أبدا أن يحصل علي منصب يستحقه أو موقع يتلاءم مع كفاءته العالية. والخلاصة أنه نموذج مثالي للمفكر الوطني المتصوف الموهوب الذي لا يبتغي من كل مايقوم به إلا وجه الله والوطن.عبدالرحمن شاكر يؤدي واجبه بصورة مثالية نظيفة.وهو يعيش في الظل, ولكنه لا يشكو أبدا. وإن كانت هناك شكوي فهي شكواي من أننا لا نعرف قدر هذا المفكر النابغ الأصيل, ونحن لا ننتفع به كما كان يجب علينا أن نفعل. إنه جوهرة. ولكننا وضعنا هذه الجوهرة علي الرف دون سبب معقول.لا أريد هنا أن يتحول حديثي عن عبدالرحمن شاكر إلي بكاء وعويل, فليس في شخصية هذا المفكر الكبير ما يتناسب مع البكاء والعويل, فهو لا يطلب شيئا, كما أنه يتميز برجولة فكرية, إن صح هذا التعبير, أي أن ما يقدمه إلينا فيه تماسك وصلابة, بل إن فيه الكثير من الثقة واليقين بسلامة الجسم العربي وإمكانياته الكامنة فيه للتغلب علي ما يعانيه, ورجولة الفكر لا تعرف البكاء والأنين.ولنترك هذا كله لنعود إلي الكتاب الذي أثار الأفكار والخواطر, التي عبرت عنها في السطور السابقة. ولو كان في إمكاني أن أجعل هذا الكتاب الصغير الثمين في يد ثلاثمائة مليون مواطن, هم سكان الأرض العربية الآن لفعلت. ولو استطعت أن أجعل هذا الكتاب في يد كل شاب عربي من طلابنا في المدارس والجامعات لفعلت. ففي هذا الكتاب السهل الجميل الواضح خلاصة ما نحتاج إليه الآن من برنامج فكري صحيح للعمل الممكن والمجدي والبعيد كل البعد عن أي تهورات أو انقلابات أو مفاجآت أو مستحيلات.فالكاتب المفكر عبدالرحمن شاكر يحدثنا في دقة ووضوح عن الممكن العربي وهو ممكن يحمينا ويكفينا ويزيد, فهل نستمع إلي نداء الممكن العربي ونستجيب لهذا النداء؟ إن عبدالرحمن شاكر لا يدعو إلي تغيير أنظمة سياسية ولا إلي إلغاء أنظمة ملكية وإحلال أنظمة جمهورية بدلا منها. لا شيء من ذلك علي الإطلاق. ولكن الذي يطرحه علينا هذا المفكر الكبير بصورة رائعة هو إعادة ترتيب البيت العربي بما يملكه هذا البيت من إمكانيات, ودون الحاجة إلي استيراد شيء جديد, مع العناية بجرد هذا البيت العربي جردا دقيقا لمعرفة مافيه, وما يحتويه, وهو كثير.في كتاب الثورة العربية الجديدة حديث بالغ الدقة عن الوحدة العربية, وعن الإسلام, وعن ذلك الذي يمكن أن نسميه باسم الاسلام المنسي الذي تمثله الجمهوريات الإسلامية المهمة والتي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق, وفي الكتاب حديث عن إسرائيل يضع أيدينا بصورة مدهشة علي الأصول والجذور, ويكشف لنا بدقة متناهية عن الأخطاء الفادحة التي يقوم عليها الفكر الصهيوني. ولكنني لن أتعرض هنا لما ورد في الكتاب عن الإسلام أو الوحدة العربية أو إسرائيل. وقد أعود إلي ذلك في حديث آخر. ويكفي أن أقول إن الكتاب يتضمن أدق وأوضح وربما أخطر ما قيل عن هذه القضايا الكبيرة, أي الإسلام والوحدة العربية وإسرائيل ثم الاسلام المنسي في الجمهوريات الإسلامية السوفيتية السابقة. وسوف أكتفي هنا بالتوقف عند موضوع آخر أقرب إلي مجال اهتمامي وهو الثقافة, ويحدثنا عبدالرحمن شاكر عن هذه القضية المهمة والحساسة في فصل عنوانه الثورة الثقافية الحضارية وهنا يلفت المفكر الكبير نظرنا إلي حقيقة غائبة عنا وهي أن أول دعوة فكرية قوية للديمقراطية في الشرق قد انطلقت من مصر, حيث يقول المفكر الكبير: إن الدكتور عبدالعزيز الشناوي في كتابه عن الدولة العثمانية يذكر أن ترجمة كتاب المفكر المصري رفاعة رافع الطهطاوي المسمي تخليص الإبريز في تلخيص باريز إلي التركية في عام1839, كان له أثر كبير في نشر الوعي الدستوري الديمقراطي بين صفوف المثقفين الأتراك, وقد أدي ظهور هذه الترجمة إلي قيام مظاهرات طلابية منادية بالدستور. وقد أدت هذه الحركة التي أشعلها الطهطاوي في تركيا بعد عدة سنوات وبالتحديد سنة1876 إلي ظهور أول دستور تركي في عهد السلطان عبدالحميد الثاني, وقد صدر الدستور باسم المشروطية الأولي وينص علي إقامة حياة نيابية يتكون فيها البرلمان من مجلسين: مجلس الشيوخ أو الأعيان, ويعين السلطان أعضاءه, ومجلس النواب الذي عرف باسم مجلس المبعوثان والذي يتم انتخاب أعضائه من بين رعايا الدولة التركية في سائر أقاليمها.وهكذا نري أن البذرة الأولي للديمقراطية التي تعتز بها تركيا الآن كانت من غرس مفكر عربي مصري هو رفاعة الطهطاوي.يتحدث عبدالرحمن شاكر بعد ذلك عن الجانب الثقافي للديمقراطية, إيمانا راسخا منه بأن الديمقراطية هي المنهج الأساسي المطلوب للنهوض بالأمة العربية, وهنا يضع المفكر الكبير يده علي علل تعوق الديمقراطية وليس من اللائق أن تبقي حتي الآن في الجسد العربي, وعلي رأسها تلك العلة المخجلة وهي الأمية يقول عبدالرحمن شاكر: من المحزن أن الأمية بمعني عدم معرفة القراءة والكتابة تنتشر في مختلف أقطار العرب بنسبة عالية قد تتجاوز نصف أفراد الأقطار العربية, في الوقت الذي أصبح يقال فيه إن الأمي في القرن الحادي والعشرين لن يكون هو العاجز عن القراءة والكتابة فحسب, بل هو العاجز عن استخدام الكمبيوتر.حقا, أليس من المخجل أن تظل الأمية شاملة لمائة مليون عربي علي الأقل حتي الآن؟ إنه شيء مخجل بكل المقاييس, والعجز هنا لا مبرر له, لأن تكلفة الخلاص من هذه المشكلة ليست بالأمر العسير, والمسألة في الأصل تحتاج إلي أمة لديها همة حضارية قبل أي شيء آخر.وينطلق عبدالرحمن شاكر إلي حديث رائع عن موضوع كثيرا ما نعالجه في تهاون وخمول وإحساس غريب بأنه علة خفيفة بينما هو في الحقيقة علة ثقيلة جدا, ذلك الموضوع هو اللغة العربية المسكينة, حيث يقول المفكر الكبير بحق: لا ثقافة ولا تعليم بغير لغة, واللغة العربية بالنسبة لوطننا العربي هي عنصر وحدته الأولي, بل إنها دليل شخصيتنا منذ أن قال النبي العربي في الحديث المأثور عنه ما معناه إن العروبة ليست بأب لأحدكم, ولا أم, إنما العروبة هي اللسان. ثم يقول عبدالرحمن شاكر بعد ذلك: لقد عانت اللغة العربية في السنوات الأخيرة إهمالا شنيعا في تعليمها, وتسيبا فاضحا في استخدامها دون حرص علي سلامة النطق أو صحة اللفظ أو التركيب اللغوي بنحوه وصرفه, وقد شمل هذا الإهمال جميع المستويات سواء الإعلامية منها أو السياسية, وانتهي العصر الذي كان فيه الحرص علي اللغة يدفع الأدباء والكتاب إلي مراقبة بعضهم بعضا والتنبيه إلي ماقد يقع فيه أحدهم من خطأ لغوي, وكانت تدور فيه أحيانا مجادلات بين كتاب كبار حول صحة هذا اللفظة أو تلك, ولقد كانت السياسة مسئولة إلي حد كبير عن هذا الوضع, فمن يحكم بقوة السلاح لم يعد بحاجة إلي إقناع الآخرينبصحة موقفه عن طريق الفصاحة والبيان, كما كان يفعل جيل سابق من الساسة.ويتحدث الكاتب المفكر بعد ذلك عن الاهتمام الواسع بتعليم اللغات الأجنبية للأجيال الجديدة. والظاهرة في حد ذاتها إيجابية ومهمة, وهي ضرورية في ظل الظروف العالمية الراهنة, ولكن تعليم اللغات الأجنبية لا يبرر إهمال اللغة العربية وتحويلها إلي مادة ثقيلة ومكروهة من الأطفال. والحقيقة ـكما يقول عبدالرحمن شاكرـ أن الذي لا يعرف لغة بلده لن يتاح له أن يعرف شيئا آخر علي الوجه الصحيح, حتي ولا اللغة الأجنبية التي يسعي إلي اتقانها ويروي الكاتب الكبير تجربة شخصية التقي فيها بأستاذ للغة الإنجليزية رآه يوما يشكو مر الشكوي من ضعف تلاميذه في اللغة العربية, مما جعل هذا الأستاذ يجد صعوبة شديدة في تعليم اللغة الإنجليزية للتلاميذ, لأن هناك مباديء لغوية عامة لابد للتلاميذ أن يفهموها في اللغة العربية قبل أن يتعلموها في الإنجليزية, فعندما يقول لهم هذه جملة أو هذا مبتدأ وخبر فهم لايفهمون معاني هذه الكلمات, ولذلك يصبح تطبيقها علي اللغة الإنجليزية في منتهي الصعوبة. وخلاصة رأي أستاذ اللغة الإنجليزية أن الذي لا يعرف المباديء الأساسية في اللغة العربية يصعب عليه كثيرا أن يستوعب هذه المباديء في اللغة الإنجليزية. ويسجل عبدالرحمن شاكر بعد ذلك ملاحظات دقيقة أخري عن وضع اللغة العربية في الوقت الراهن, ومن ذلك قوله: لا.. أذكر هنا قصة محزنة مما آل إليه الوضع اللغوي في مصر, فقد اشتكي بعض الطلبة الوافدين من جمهوريات آسيا الوسطي أنهم قد عجزوا عن فهم بعض الدروس التي تلقي عليهم في الأزهر الشريف لأن الأستاذ كان يشرحها بالعامية المصرية, وهم الذين لم يتعلموا إلا العربية الفصحي, وعلي العكس من ذلك فقد دعا رئيس الإدارة الدينية في طشقند, عاصمة جمهورية أوزبكستان التي تضم نحو25 مليونا معظمهم مسلمون, في إحدي زياراته للقاهرة في عام1999.. دعا الي مساعدة أبناء بلاده علي تعلم اللغة العربية لكي تتاح لهم قراءة الآثار الخالدة التي أنتجها بالعربية العلماء الذين ينتسبون إلي هذه البلاد مثل الإمام البخاري والفارابي وابن سينا وغيرهم, فاللغة العربية ليست لغتنا القومية فحسب بل هي رابطة رئيسية بيننا وبين شعوب كثيرة أخري تدين بالإسلام. بل إن الدكتور بطرس غالي ـ وهو قبطي كما يعرف الجميع ـ قد دعا في الستينيات لأن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية لمنظمة الوحدة الإفريقية وبالتالي للقارة الإفريقية كلها لأنها ـ كما قال ـ هي لغة الكتاب والسنة ولكنالقصور السياسي قد حال دون الأخذ بوجهة النظر هذه, بل إنه من المؤلم أيضا أن التفاهم في منظمة المؤتمر الإسلامي يتم عن طريق اللغات الأجنبية, خاصة الإنجليزية والفرنسية وكان الأولي أن تكون الصدارة للغة العربية في مثل تلك المنظمة.وأتوقف هنا لأقول إن كتاب الثورة العربية الجديدة هو كتاب بالغ القيمة والأهمية والمتعة, من حيث المعلومات والتحليلات وأسلوب العرض السهل الجميل, وهو كتاب ينفع السياسيين لأنه من أفضل الكتب التي يمكن الخروج منها ببرنامج شديد الدقة والوضوح للعمل الممكن الآن علي نطاق واسع, والكتاب نافع جدا لكل المثقفين والمتعلمين والباحثين عن ضوء جديد يقضي علي الغموض والتعقيد في بعض قضايانا الأساسية. وعبدالرحمن شاكر صاحب هذا الكتاب البديع هو مفكر كبير ـ ولا شك ـ ولكن حظه قليل حقا. وأنا هنا لا أشير إلي الحظ الشخصي لهذا المفكر, فهو رجل متواضع قانع بما هو فيه, بل لقد اختار ذلك دون أن يفرضه عليه أحد, وذلك استجابة منه لطبيعته الأخلاقية الكريمة. ولكنني لا أحب أن يبقي حظ هذا المفكر الكبير ممتدا إلي عمله الفكري المتميز. فنحن بحاجة إلي جهود هذا المفكرو إن لم يكن هو بحاجة إلي أحد. ولعل بعض من يقرأون كلماتي يحسون بما أحس به من عاطفة محبة وتقدير لهذا المفكر, ولعلهم يحبون أن ينقلوا إليه هذا الإحساس, ولذلك فأنا لا أجد بأسا في أن أنشر رقم تليفونه وعنوانه لمن يريد أن يتصل به ويحييه ويشد علي يديه وهو يعيش في وحدته وعزلته وابتعاده التام عن الأضواء. ورقم التليفون هو2911016, أما العنوان فهو3 شارع الأمل بمصر الجديدة شقة10.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
© 2008 سامية أبو زيد .. كاتبة مصرية
Design by Templates4all
Converted to Blogger Template by BloggerTricks.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق