Powered By Blogger

الشهاب الجمعة, يوليو 11, 2008

الشهاب
بقلم: سامية أبوزيد
هناك فى آخر صفوف الدرجة الثالثة كان يجلس وحيدا بعد انتهاء المباراة بفترة،
وكعادته لم يبرح مكانه بعد المباراة وحفل الختام،
فقد كان يكره التزاحم ولم تعد سنه تسمح له بتلك الأكتاف التى كان يتلقاها فيما مضى دون أن تؤثر فيه والتى لم تكن تسقطه أو تحيد به عن هدفه.
إيه، يا لها من أيام.
هل كانت له أيام؟
هكذا تساءل بينه وبين نفسه.
أحقا كانت له أمجاد؟؟
ومتى كانت؟؟؟
هل أخذ فرصته يوما وسط اللاعبين الكبار؟؟
نعم، بل لا.
كاد أن يأخذها يوما،
حينما بدأ نجمه فى البزوغ وسط صفوف اللاعبين الكبار الذين احتلوا العروش لسنوات تجاوزت المسموح به.
لا عجب حينها أن الرياضة كانت فى انحدار،
وقيل عنه فى تلك الأيام إنه الأمل المنشود للنهوض بحال الرياضة لو أتيحت له الفرصة، وقد واتته بالفعل،
يوم أن امتنع النجم الكبير عن المشاركة فى مباراة حاسمة ليضغط على النادى كى يزيد مكافأته.
ولولا عناد المدرب لظل فى مقاعد الاحتياط إلى الأبد والذى قال يومها:
’’أنا ما حدش يلوى دراعى، إن كان هو الكابتن، فانا الكوتش. بميت جنيه أجيب أى عيل من حوارى مصر يلعب بداله ويكسب الماتش، ويجيب اجوان.‘‘
وتراشق الإثنان بالتصريحات النارية على صفحات الرياضة فى كافة الصحف والمجلات،
وأصبح غياب الكابتن وغضبة المدرب حديث الساعة،
بتشجيع من إدارة النادى التى اهتبلت الفرصة لكسر أنف النجم الذى ’’ساق فيها‘‘ على حد قولهم.
وهكذا تورط المدرب الكبير فى وعيد لا فكاك منه،
وهو الإتيان بالبديل،
وبشرط أن يكون من المغمورين،
كى يصبح الإذلال كاملا،
والتفت ليرى ذلك الفتى المفتول العضلات وكأنما يراه للمرة الأولى،
وتذكر كيف جمع بين براعة الهجوم والدفاع فى آن معا،
كما أوتى القدرة على الترقيص وصنع الالعاب،
بل وكان سريعا ينطلق كالصاروخ والكرة ملاصقة لقدمه تارة،
وسابقة اياه كالحبيبة المنتظرة أن يدركها،
فيوافيها أينما حلت ويلحق بها قبل غيره من المنازعين.
كان يظهر كل هذه المهارات فى التدريبات التى كان يستخدم فيها مع غيره من لاعبى الصف الثانى كأدوات للتدريب ليس إلا،
يتدربون ويتدربون ومن ثم يقعدون على مقاعد الاحتياط كى يستمر بريق النجوم الكبار فى اللمعان.
كان هو وأمثاله أقمارا وكواكبا تدور فى أفلاك تلك النجوم،
وعند اللزوم قد يكلف أحدهم برعاية حقائب هؤلاء النجوم الرياضية، ويا له من شرف لو لاحت خصلة من شعره فى صورة جماعية للفريق أو طرف من جبينه خلف هذا النجم أو ذاك.
ومضت به الذكرى حتى اللحظة التى سمع فيها صوت المدرب وهو يقول:
’’انت يا بنى، انت اسمك ايه؟‘‘
وتذكر خفقات قلبه المتلاحقة وتلعثمه وتلفته يمينا ويسارا عله يقصد غيره،
ولما أيقن أنه المعنى رد بصوت شبه مسموع وبأنفاس تظنها متقطعة من مشقة التدريب قائلا:
’’ياسر، اسمى ياسرعبد المنعم يا كوتش،،
وعندها صمت المدرب للحظات دارت فيها ألف خاطرة برأس ياسر المسكين كلها لا تدعو للتفاؤل،
ولم يدر أنه كان يفتش له عن اسم شهرة، والذى هتف بغتة:
’’شهاب، انت الشهاب من هنا ورايح، حاتلعب الماتش الجاى مطرح الكابتن، اتفقنا؟؟ عاوزك تطول رقبتى.‘‘
وتركه دون أن ينتظر منه الإجابة، فهل يمكن أن تكون هناك إجابة غير الموافقة!!
وجاء يوم الفصل، ياله من يوم لم ينسه أبدا، بل يا لها من لحظة لن ينساها أبدا،
لحظة تسجيله الهدف الأول فى الدقيقة الثالثة من المباراة، وكأنما نزل لكى يسجل الأهداف وحسب.
تذكر كيف كان يستثمر نقاط القوة فى زملائه،
ويتجنب عيوب زملائه الذين يتابعهم منذ طفولته.
عجبا لقد أصبحوا زملاءه!!
هؤلاء ’’الكباتن‘‘ الذين لا يجرؤ على ذكر اسم الواحد منهم مجردا بينه وبين نفسه بدون أن يقول ’’الكابتن‘‘ فلان،
هاهم يصبحون زملاءه!
وكما هو متوقع، فاز النادى بالمباراة، وللمزيد من الإذلال للنجم الكبير أخرجه المدرب من التشكيل ووضع ياسرا بدلا منه،
كى يضمن فوزا سهلا ويجدد شباب هذه الفرقة من الكهول الذين وجب عليهم التقاعد منذ فترة.
ولمع الشهاب وصار وميضه يخطف الأبصار، ولكن لكل شهاب سقوط،
وما بريق الشهب إلا احتراق أثناء السقوط، كى تبرد بعد ذلك تماما.
وهنا اعتصر قلبه وتبدلت ملامحه وهو يتذكر كيف تمسك النادى بالنجم الكبير كى لايخسر نجما صنعه وصنع مجده،
وكى لا يذهب باسمه الذى صار علامة تجارية إلى النادى المنافس،
إلى هنا ولم يكن هناك ما يسوؤه،
كان مكتفيا بأن يكون ضمن التشكيل الأساسى،
ويتم الاستعانة به فى الأوقات الحرجة لإنقاذ مباراة حامية من براثن دقائق منتهية تسرع بها نحو الخسارة.
وهكذا بدأ يتأكد وجوده فى الملاعب فى الموسم الجديد،
ودقت أجراس الخطر من كل جانب،
فصناع النجوم لا يريدون تحمل مشقة ميلاد نجم جديد ولا تكاليفها،
فالنجم القديم موجود وله معجبوه وجمهوره الذى يتابع أخباره ويتعاطف معه سواء بالحق أو بالباطل.
لكن الخوف ظل معلقا فوق رؤوس الجميع حتى جاء اليوم الذى حسم فيه النجم الكبير أمره.
كان ذلك اليوم هو يوم التدريب قبل مباراة هامة مع النادى المنافس،
وذلك عندما قام المدرب كعادته بتقسيم اللاعبين لمباراة وهمية بين أعضاء الفريق الواحد بنجومه وأفلاكها.
وفى غفلة من المدرب، وببراعة معتادة ركل النجم الشهاب فى ركبته ركلة أسقطته على الأرض سقطة لا قيام بعدها،
أخرجته من الملاعب إلى الأبد.
وعاد النجم ليحتل العرش لسنوات أخرى متكئا على نجوميته وجمهوره العريض المخلص.
ولأنه الشهاب المولع بالكرة ولا يعرف له عشقا غيرها،
حاول العودة إلى الملاعب ولكن من باب المدربين،
ولم يع أن الإدراك السليم خانه وأنه قد فتح على نفسه أبواب جهنم،
وأول تلك الأبواب كان ’’الكوتش‘‘.
ذلك المدرب العتيق الذى لم تتبدل خططه منذ سنوات،
وأصحاب العمولات من استقدام المدربين الأجانب،
وأوصدت كل الأبواب الرياضية فى وجهه ولم يجد له ملاذا سوى فى جريدة محلية من جرائد ’’بير السلم‘‘،
والتى تطبع ليقرأها محرروها وبعض من أقاربهم.
أصبح يكتفى بارتداء فانلته القديمة ويجلس بها فى مقاعد المشجعين.
’’كابتن شهاب؟؟‘‘
أخرجه هذا الصوت الصبى المتعرف المتسائل فى الوقت ذاته ـ
من أفكاره التى انتهى تسلسلها الرتيب المعتاد عقب كل مباراة،
ورفع وجهه نحو الصوت ليجد شابا يافعا فى مثل العمر الذى بدأت عنده الذكرى،
فابتسم فى وجهه بخجل وفرح دفين،
ومضى الشاب يكلمه عن نفسه وعن حلمه بأن يصبح يوما ما مثله.
فابتسم له وقال أخيرا:
’’أوعى فى يوم حلمك ينطفى، خليك نجم واياك فى يوم تصبح شهاب.
إياك تسيب لليأس مكان،
وزق بكتفك عشان تبان،
وان حد حاول يوقفك أو يعطلك،
انس اللعب الشريف وخليك بين الديابة ديب.‘‘
ثم نظر فى عينى الشاب ورأى الحيرة مرسومة على وجهه،
فتأبطه بيد وبالأخرى تأبط كرته ونزل به إلى الملعب،
ومن بعيد ولساعة متأخرة سُمع صوت يتردد بنبرة أشبه بأوامر القبطان بعبارات حازمة:
’’شوط جامد ... اجرى كمان، وقعت؟؟؟
قوم ... اجرى‘‘.

1 التعليقات:

فـُتات مشاعِر يقول...

حلوة قوي البوست ده


لي أقتراح ....الصورة التي في راس المدونة الوضوح بتاعها ليس سليم



يا ريت لو تغيريها


شكرا جدا جدا لتقبل الاقتراح
وكل عام وانتي طيبة